﴿تصيبهم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة أَو تحل قَرِيبا من دَارهم حَتَّى يَأْتِي وعد الله إِن الله لَا يخلف الميعاد (٣١) وَلَقَد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للَّذين كفرُوا ثمَّ أخذتهم فَكيف﴾

(أَقُول لَهُم بِالشعبِ إِذْ يأسرونني ألم تيئسوا أَنِّي ابْن فَارس زَهْدَم)
وَقَالَ آخر:
(ألم ييئس الْأَبْطَال أَنِّي أَنا ابْنه وَإِن كنت عَن أَرض الْعَشِيرَة تائيا)
وَأنكر الْكسَائي أَن يكون هَذَا بِمَعْنى الْعلم، وَقَالَ: إِن الْعَرَب لَا تعرف الْيَأْس بِمَعْنى الْعلم، قَالَ: وَإِنَّمَا معنى الْآيَة: أَن أَصْحَاب رَسُول الله لما سمعُوا هَذَا من الْمُشْركين طمعوا فِي أَن يفعل الله مَا سَأَلُوا ويؤمنوا؛ فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة: ﴿أفلم ييئس الَّذين آمنُوا﴾ يَعْنِي: من الصَّحَابَة من إِيمَان هَؤُلَاءِ الْقَوْم، وكل من علم شَيْئا فقد يئس عَن خِلَافه وضده، وَبَعْضهمْ قَالَ مَعْنَاهُ: أفلم يعلم الَّذين آمنُوا من حَال هَؤُلَاءِ الْكفَّار علما يُوجب يأسهم عَن إِيمَانهم، وَقَوله: ﴿أَن لَو يَشَاء الله لهدى النَّاس جَمِيعًا﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا تصيبهم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة﴾ أَي نازلة وبلية، وَقيل: إِن القارعة هَاهُنَا: سَرَايَا رَسُول الله ﴿أَو تحل قَرِيبا من دَارهم﴾ يَعْنِي: أَو تحل السّريَّة قَرِيبا من دَارهم، وَقيل: أَو تنزل أَنْت قَرِيبا من دَارهم.
﴿حَتَّى يَأْتِي وعد الله﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه يَوْم الْقِيَامَة، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه يَوْم بدر.
وَقَوله: ﴿إِن الله لَا يخلف الميعاد﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله: ﴿وَلَقَد استهزئ برسل من قبلك﴾ الِاسْتِهْزَاء: طلب الهزء، وَقد كَانَ الْكفَّار يسْأَلُون هَذِه الْأَشْيَاء عَن طَرِيق الِاسْتِهْزَاء، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة تَسْلِيَة للنَّبِي، مَعْنَاهُ: وَلَقَد استهزئ برسل من قبلك يَعْنِي: كَمَا استهزءوا بك، فقد استهزئ برسل من قبلك. ﴿فأمليت للَّذين كفرُوا﴾ مَعْنَاهُ: فأمهلت وأطلت الْمدَّة لَهُم، وَمِنْه الملوان وَهُوَ اللَّيْل وَالنَّهَار. وَقَوله: ﴿ثمَّ أخذتهم فَكيف كَانَ عِقَاب﴾ مَعْنَاهُ: ثمَّ أخذتهم فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ، وَفِي الْآخِرَة بالنَّار فَكيف كَانَ [عقابي] لَهُم.


الصفحة التالية
Icon