﴿كَانَ عِقَاب (٣٢) أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت وَجعلُوا لله شُرَكَاء قل سموهم أم تنبئونه بِمَا لَا يعلم فِي الأَرْض أم بِظَاهِر من القَوْل بل زين للَّذين كفرُوا مَكْرهمْ وصدوا عَن السَّبِيل وَمن يضلل الله فَمَا لَهُ من هاد (٣٣) لَهُم عَذَاب فِي الْحَيَاة﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت﴾ أَكثر الْمُفَسّرين أَن قَوْله: ﴿أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت﴾ هُوَ الله، وَالله تَعَالَى لَا يجوز أَن يُسمى قَائِما على الْإِطْلَاق؛ لِأَن الشَّرْع لم يرد بِهِ، وَلِأَن الْقَائِم هُوَ المنتصب، وَيجوز أَن يُوصف بِالْقيامِ على التَّقْيِيد، وَهُوَ أَنه قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت، وَمعنى قَوْله: ﴿قَائِم على كل نفس﴾ : أَنه الْمُتَوَلِي لأحوالها وأعمالها وأرزاقها، وَغير ذَلِك، وَكَذَلِكَ هُوَ الْمُتَوَلِي للمجازاة بكسب الْخَيْر وَالشَّر.
وَقَالَ بَعضهم: معنى قَوْله: ﴿أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت﴾ أَي: عَالم بكسب كل نفس، قَالَ الشَّاعِر:
(فلولا رجال من قُرَيْش أعزة... سرقتم ثِيَاب الْبَيْت وَالله قَائِم)
أَي: عَالم. وَقَوله: ﴿أَفَمَن﴾ مَعْنَاهُ: أَفَمَن كَانَ هَكَذَا كمن لَيْسَ بِهَذَا الْوَصْف. وَقَوله: ﴿وَجعلُوا لله شُرَكَاء﴾ أَي: وصفوا لله شُرَكَاء، وَقَوله: ﴿قل سموهم﴾ مَعْنَاهُ: قل صفوهم بِالصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ مُسْتَحقَّة لَهَا، ثمَّ انْظُرُوا هَل هِيَ أهل أَن تعبد أَو لَا؟
قَوْله: ﴿أم تنبئونه بِمَا لَا يعلم فِي الأَرْض﴾ مَعْنَاهُ: أم أَنْتُم تنبئون الله بِمَا لَا يعلم. يَعْنِي: تذكرُونَ لَهُ شَرِيكا وإلها آخر، وَهُوَ لَا يُعلمهُ.
وَقَوله: ﴿أم بِظَاهِر من القَوْل﴾ يَعْنِي أم تتعلقون بِظَاهِر من القَوْل لَا معنى لَهُ، شبه المتجاهل الَّذِي لَا يطْلب حَقِيقَة الْأَمر، وَقيل: بِظَاهِر من القَوْل بباطل من القَوْل: قَالَ الشَّاعِر:
(وعيرني الواشون أَنِّي أحبها... وَتلك شكاة ظَاهر عَنْك عارها)
أَي: زائل، وَحكي أَن عبد الله بن الزبير أنْشد هَذَا حِين قيل لَهُ: يَا ابْن ذَات النطاقين، وَقصد الْقَائِل تَعْبِيره وذمه؛ فَقَالَ عبد الله بن الزبير:
(وَتلك شكاة ظَاهر عَنْك عارها... ).
قَوْله: ﴿بل زين للَّذين كفرُوا مَكْرهمْ﴾ أَي: كفرهم. وَقَوله: ﴿وصدوا عَن السَّبِيل﴾ وَقُرِئَ: " وصدوا " بِرَفْع الصَّاد، أَي: فعل بهم ذَلِك. وَقَوله: ﴿وصدوا﴾


الصفحة التالية
Icon