وَقَوله: ﴿إِذْ دخلُوا على دَاوُد فَفَزعَ مِنْهُم﴾ أَي: خَافَ مِنْهُم وَاخْتلف القَوْل فِي عِلّة الْخَوْف، فَقَالَ بَعضهم: إِنَّه خَافَ مِنْهُم، لأَنهم دخلُوا فِي غير وَقت الدُّخُول، وَقيل: خَافَ مِنْهُم؛ لأَنهم دخلُوا من أَعلَى السُّور.
وَقَوله: ﴿قَالُوا لَا تخف﴾ يَعْنِي: فَلَا تخف ﴿خصمان بغى بَعضهم على بعض﴾ فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: ﴿خصمان بغى بَعْضنَا على بعض﴾ وَلم يكن من الْملكَيْنِ من بغى أَحدهمَا على الآخر؟
وَالْجَوَاب عَنهُ أَن مَعْنَاهُ: أَرَأَيْت خصمين بغى أَحدهمَا على الآخر، فَهَذَا من معاريض الْكَلَام، وَلَيْسَ على معنى تَحْقِيق بغي أَحدهمَا على الآخر.
وَقيل مَعْنَاهُ: قَالَا: مَا قَوْلك فِي خصمين بغى أَحدهمَا على الآخر؟ وَهَذَا قريب من الأول، وَقَوله: ﴿فاحكم بَيْننَا بِالْحَقِّ﴾ أَي: بِالْعَدْلِ.
وَقَوله: ﴿وَلَا تشطط﴾ يُقَال: أشط يشط إِذا جَار، وشطا يشط إِذا أبعد، قَالَ الشَّاعِر:
(شطت مَزَار العاشقين، فَأَصْبَحت... عسرا عَليّ طلابك ابْنة مخرم) وَقَالَ عمر بن أبي ربيعَة:

﴿تشط غَدا دَار جيراننا وللدار بعد غَد أبعد﴾
فَمَعْنَى قَوْله: ﴿وَلَا تشطط﴾ أَي: لَا تجر، وَقُرِئَ بِنصب التَّاء أَي: لَا تبعد عَن الْحق، وَقَوله: ﴿واهدنا إِلَى سَوَاء الصِّرَاط﴾ أَي: إِلَى الطَّرِيق الْمُسْتَقيم الصَّوَاب وَالْعدْل، وَقَوله: ﴿واهدنا﴾ أَي: وأرشدنا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن هَذَا أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة﴾ ذكر أهل التَّفْسِير أَن سَبَب ابتلاء دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَنه فتن بِامْرَأَة أوريا بن حنان، وَسبب ذَلِك أَن دَاوُد صلوَات الله عَلَيْهِ كَانَ قسم أَيَّامه، فَكَانَ يَخْلُو يَوْمًا لِلْعِبَادَةِ، ويخلو يَوْمًا لنسائه، وَيجْلس للْقَضَاء يَوْمًا مَعَ بني إِسْرَائِيل فيذاكرهم ويذاكرونه، فَجَلَسَ يَوْمًا مَعَ بني إِسْرَائِيل يذاكرهم، فذاكروا فتْنَة النِّسَاء، فأضمر دَاوُد فِي نَفسه أَنه إِن ابْتُلِيَ اعْتصمَ.


الصفحة التالية
Icon