﴿مثلا إِذا قَوْمك مِنْهُ يصدون (٥٧) وَقَالُوا أآلهتنا خير أم هُوَ مَا ضربوه لَك إِلَّا جدلا بل﴾ تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم)، فَإِنَّهُ لما نزل قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿أَنْتُم لَهُ وَارِدُونَ﴾ وَقرأَهَا رَسُول الله على كفار قُرَيْش، قَالَ عبد الله بن الزبعري: هَذَا لنا ولآلهتنا خَاصَّة أم لنا وَلِجَمِيعِ الْأُمَم وآلهتهم؟. فَقَالَ: بل لكم ولآلهتكم وَلِجَمِيعِ الْأُمَم وآلهتهم، فَقَالَ ابْن الزعبري: خصمتك وَرب الْكَعْبَة، ثمَّ ذكر مَا أوردنا من قبل فِي حق عِيسَى وعزيز وَالْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام، فعلى هَذَا قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلما ضرب ابْن مَرْيَم مثلا﴾ مَعْنَاهُ: لما جعلُوا ابْن مَرْيَم مثلا لآلهتهم، وَقَالُوا: إِذا كَانَ ابْن مَرْيَم فِي النَّار فرضينا أَن نَكُون نَحن وَآلِهَتنَا فِي النَّار ".
وَقَوله: ﴿إِذا قَوْمك مِنْهُ يصدون﴾ بِكَسْر الصَّاد أَي: يضجون ضجاج المجادلين، وَيُقَال: يصدون أَي: يَضْحَكُونَ ويفرحون بقول ابْن الزبعري. وَقُرِئَ " " يصدون " بِضَم الصَّاد، وَمَعْنَاهُ: يعرضون، وَفِي الْآيَة قَول آخر: وَهُوَ أَن النَّبِي لما ذكر حَدِيث [عِيسَى] لقريش، وَأَنه خلقه الله تَعَالَى من غير أَب كَمَا خلق آدم من غير أَب، وَذكر مَا أظهر الله على يَده من الْآيَات جعلت قُرَيْش يَضْحَكُونَ، وقاوا مَا يُرِيد مُحَمَّد من ذكر عِيسَى إِلَّا أَن نعبده كَمَا عبدت النَّصَارَى عِيسَى، وَهَذَا قَول مُجَاهِد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا أآلهتنا خير أم هُوَ﴾ على القَوْل الأول مَعْنَاهُ: أآلهتنا خير أم عِيسَى؟ بل عِيسَى خير من آلِهَتنَا، فَإِذا كَانَ عِيسَى فِي النَّار فلتكن آلِهَتنَا فِي النَّار. وعَلى القَوْل الثَّانِي: أآلهتنا خير أم هُوَ؟ يَعْنِي: مُحَمَّدًا، فَإِذا كَانَ مُحَمَّد يطْلب أَن نعبده فَنحْن نعْبد آلِهَتنَا. وَفِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب: " أآلهتنا خير أم هَذَا "؟ وَهَذَا يُؤَيّد القَوْل الثَّانِي.
وَقَوله: ﴿مَا ضربوه لَك إِلَّا جدلا﴾ يَعْنِي: مَا قَالُوا هَذَا القَوْل إِلَّا مجادلة بِالْبَاطِلِ؛