﴿الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بهَا فاليوم تُجْزونَ عَذَاب الْهون بِمَا كُنْتُم تستكبرون فِي الأَرْض بِغَيْر﴾ الشَّهَوَات عَن الطَّاعَات. وَقيل: أَخَذْتُم نصيبكم فِي الدُّنْيَا فَلَا نصيب لكم فِي الْآخِرَة.
وَقَوله: ﴿وَاسْتَمْتَعْتُمْ بهَا﴾ أَي: تلذذتم وانتفعتم بهَا، وَفِي الْمَشْهُور من الْخَبَر " أَن عمر رَضِي الله عَنهُ دخل على النَّبِي فِي خزانته وَهُوَ مُضْطَجع على [خصفة] وَبَعضه على الأَرْض، وَتَحْت رَأسه وسَادَة حشوها لِيف، وَفِي الْبَيْت أهب وَقَلِيل من الْقرظ، فَبكى عمر، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله: مَاذَا (يبكيك) ؟ فَقَالَ: ذكرت كسْرَى وَقَيْصَر وَمَا هما فِيهِ من النعم وحالك على مَا أرى، وَأَنت نَبِي الله وصفوته وَخيرته، فَقعدَ رَسُول الله وَقَالَ: أَفِي شكّ أَنْت يَا ابْن الْخطاب! أُولَئِكَ قوم عجلت لَهُم طَيِّبَاتهمْ فِي حياتهم الدُّنْيَا، وأخرت لنا إِلَى الْآخِرَة ".
وَرُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا أجمل لذيذ الْعَيْش لَو شِئْت أمرت بصغار المعزى فيمسط لنا، وَأمرت بلباب الْبر فيخبز لنا، وَأمرت بالزبيب فينبذ لنا حَتَّى يصير كعين اليعقوب، فَآكل من هَذَا مرّة، وأشرب من هَذَا مرّة، وَلَكِن سَمِعت الله يَقُول لقوم: ﴿أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا﴾، فَأَنا أَخَاف أَن أكون مِنْهُم.
وَرُوِيَ أَنه رأى جَابر بن عبد الله وَبِيَدِهِ لحم قد اشْتَرَاهُ قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: اشْتَرَيْته بدرهم. فَقَالَ: أَو كلما قَامَ أحدكُم اشْترى بدرهم لَحْمًا. وَفِي رِوَايَة: كلما اشْتهيت اشْتريت، أما سَمِعت الله يَقُول: ﴿أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا﴾ أم تخافون أَن تَكُونُوا مِنْهُم؟
وَقَوله: ﴿الْيَوْم تُجْزونَ عَذَاب الْهون﴾ أَي: الهوان، وَهُوَ كَذَلِك فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود.
وَقَوله: ﴿بِمَا كُنْتُم تستكبرون فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق﴾ أَي: تطلبون الْعُلُوّ والرفعة


الصفحة التالية
Icon