الْحق وَبِمَا كُنْتُم تفسقون وَاذْكُر أَخا عَاد إِذْ انذر قومه بالأحقاف وَقد خلت النّذر من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه أَلا تعبدوا إِلَّا الله إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم عَظِيم قَالُوا أجئتنا لتأفكنا عَن آلِهَتنَا فأتنا بِمَا تعدنا إِن كنت من الصَّادِقين قَالَ
وَالْغَلَبَة بِغَيْر حق
وَقَوله: ﴿وَبِمَا كُنْتُم تفسقون﴾ أَي: تخرجُونَ عَن طَاعَة الله.
وَقَوله تَعَالَى ﴿وَاذْكُر أَخا عَاد﴾ وَهُوَ هود عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ أَخَاهُم فِي النّسَب لَا فِي الدّين.
وَقَوله: ﴿إِذا أنذر قومه بالأحقاف﴾ أى: قومه عاداً، والأحقاف: جمع حقف، وَهُوَ الرمل المعوج وَفِي الْخَبَر: (مر رَسُول الله بِظَبْيٍ حَاقِف) أَي قد انثنى عُنُقه وَيُقَال الْأَحْقَاف رمال مستطيلة شبه الدكاكين. وَقيل: رمال مشرفة على الْبَحْر بالشحر من الْيمن وَعَن ابْن عَبَّاس أَرض بَين عمان ومهرة وَعَن ابْن إِسْحَاق أَرض بَين عمان وحضرموت كَانَت منَازِل عَاد بهَا وروى أَبُو الطُّفَيْل عَن على رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ شَرّ بِئْر فِي الأَرْض بِئْر وَادي حَضرمَوْت يُقَال لَهُ: برهوت يَجْعَل فِيهَا أَرْوَاح الْكفَّار وَخير بِئْر فِي الأَرْض بِئْر زَمْزَم. وَيُقَال: جبال بِالشَّام وَالأَصَح أَنهم كَانُوا بِالْيمن وَأما منَازِل ثَمُود وَقوم لوط بَين الْمَدِينَة وَالشَّام.
وَقَوله ﴿وَقد خلت النّذر من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه﴾ أى خلت النّذر قبل هود وَبعده.
وَقَوله: ﴿أَلا تعبدوا إِلَّا الله إِنِّي اخاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم عَظِيم﴾ أَي: كَبِير
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا أجئتنا لتأفكنا عَن آلِهَتنَا﴾ أى: تصرفنا.
وَقَوله: (فأتنا بِمَا تعدنا) أَي: من الْعَذَاب. ﴿إِنَّمَا الْعلم عِنْد الله وأبلغكم مَا أرْسلت بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُم قوما تجهلون (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارضا مُسْتَقْبل أَوْدِيَتهمْ قَالُوا هَذَا عَارض مُمْطِرنَا بل هُوَ مَا استعجلتم بِهِ ريح فِيهَا عَذَاب﴾
وَقَوله: ﴿إِن كنت من الصَّادِقين﴾ يَعْنِي: إِن كنت نَبيا من قبل الله تَعَالَى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ إِنَّمَا الْعلم عِنْد الله﴾ أَي: وَقت عذابكم يُعلمهُ الله، وَلَا أعلمهُ أَنا.
وَقَوله: ﴿وأبلغكم مَا أرْسلت بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُم قوما تجهلون﴾ وَمَعْنَاهُ: أَن إِلَيّ تَبْلِيغ الرسَالَة، وَلَيْسَ إِلَيّ إِنْزَال الْعَذَاب، وَإِنَّمَا هُوَ إِلَى الله تَعَالَى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عارضا مُسْتَقْبل أَوْدِيَتهمْ﴾ الْعَارِض: هُوَ السَّحَاب هَاهُنَا قَالَ الشَّاعِر:

(إِذا نظرت إِلَى أسرة وَجهه برقتْ كبرق الْعَارِض المتهلل)
وَقَالَ آخر:
(يَا من يرى عارضا قد [بت] أرمقه كَأَنَّمَا الْبَرْق فِي حَافَّاته الشعل)
وَفِي الْقِصَّة: أَن الله تَعَالَى حبس عَنْهُم الْقطر ثَلَاث سِنِين، فَجعلُوا يدعونَ ويسألون الله الْمَطَر، وَرُوِيَ أَنهم وفدوا وَفْدًا إِلَى الْحرم يسْأَلُون الْغَيْث، وَكَانَ لَهُم وَاد يُقَال لَهُ: المغيث، وَكَانَ غيثهم يَأْتِي من قبل ذَلِك الْوَادي، فَرَأَوْا سَحَابَة جَاءَت من جَانب ذَلِك الْوَادي، وَكَانَت سَوْدَاء فاستبشروا و ﴿قَالُوا هَذَا عَارض مُمْطِرنَا﴾ أَي: سَحَاب يُرْسل علينا الْمَطَر؛ فَقَالَ هود عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ جَالِسا مَعَهم: ﴿بل هُوَ مَا استعجلتم بِهِ ريح فِيهَا عَذَاب أَلِيم﴾.
وَقَوله: ﴿بل هُوَ مَا استعجلتم بِهِ﴾ أَنهم كَانُوا قد قَالُوا: " فأتنا بِمَا تعدنا إِن كنت من الصَّادِقين ". وَذكر ابْن إِسْحَاق أَن أول من رأى الْعَذَاب فِي السَّمَاء امْرَأَة مِنْهُم فَقَالَت: أرى نيرانا أمامها رجال يَقُودُونَهَا.


الصفحة التالية
Icon