﴿توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم (٢٢) أُولَئِكَ الَّذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أَبْصَارهم (٢٣) أَفلا يتدبرون الْقُرْآن أم على قُلُوب أقفالها (٢٤) إِن﴾ اعْتِرَاض فِي الْكَلَام المنسوق على الأول.
وَقَوله: ﴿فَإِذا عزم الْأَمر فَلَو صدقُوا الله لَكَانَ خيرا لَهُم﴾ وَمعنى قَوْله: ﴿فَإِذا عزم الْأَمر﴾ أَي: جهد الْأَمر وَلزِمَ فرض الْقِتَال. ﴿فَلَو صدقُوا الله﴾ أَي: لَو وفوا بِمَا وعدوه من الْجِهَاد، وَقَابَلُوا أَمر الله بالامتثال لَكَانَ خيرا لَهُم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَهَل عسيتم إِن توليتم﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: إِن توليتم ولَايَة أَي: كَانَت لكم ولَايَة. وَالثَّانِي: إِن توليتم عَن الْإِيمَان بالرسول وَبِالْقُرْآنِ أَي: أعرضتم، فَهَل يكون مِنْكُم سوى أَن تفسدوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم؟ وَقيل على القَوْل الأول: أَنه قد كَانَ هَذَا فِي صدر الْإِسْلَام؛ فَإِن قُريْشًا لما توَلّوا الْأَمر أفسدوا فِي الأَرْض وَقَطعُوا الْأَرْحَام، وَذَلِكَ من قتل بني هَاشم قُريْشًا، وَقتل قُرَيْش بني هَاشم.
وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذين لعنهم الله﴾ أَي: طردهم الله.
وَقَوله: ﴿فأصمهم﴾ أَي: جعلهم بِمَنْزِلَة الصم. وَقَوله: ﴿وأعمى أَبْصَارهم﴾ أَي: بِمَنْزِلَة الْعَمى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَفلا يتدبرون الْقُرْآن أم على قُلُوب أقفالها﴾ التَّدْبِير: هُوَ التفكر وَالنَّظَر فِيمَا يؤول إِلَيْهِ عَاقِبَة الْأَمر.
وَقَوله: ﴿أم على قُلُوب أقفالها﴾ مَعْنَاهُ: بل على قُلُوب أقفالها، وَهُوَ على طَرِيق الْمجَاز، فَذكر القفل بِمَعْنى انغلاق الْقلب عَن فهم الْقُرْآن. وَفِي التَّفْسِير: " أَن النَّبِي كَانَ يقرئ شَابًّا هَذِه الْآيَة، فَقَالَ ذَلِك الشَّاب: بل على قُلُوب أقفالها حَتَّى يفتحها الله، فَقَالَ النَّبِي لَهُ: صدقت ".
وَعَن بَعضهم: مثل قفل الْحَدِيد على الْبَاب.
وَقَوله: ﴿إِن الَّذين ارْتَدُّوا على أدبارهم من بعد مَا تبين لَهُم الْهدى﴾ الْهدى هُوَ


الصفحة التالية
Icon