﴿السكينَة فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ ليزدادوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانهم وَللَّه جنود السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ وبالإرشاد إِلَى شرائع الْإِسْلَام، وَقد أول الْفَتْح الْمَذْكُور فِي الْآيَة بالإرشاد إِلَى الْإِسْلَام.
وَقَوله: ﴿ويهديك صراطا مُسْتَقِيمًا﴾ أَي: يدلك على الطَّرِيق الْمُسْتَقيم.
وَقَوله: ﴿وينصرك الله نصرا عَزِيزًا﴾ أَي: (نصرا) مَعَ عز لَا ذل فِيهِ. وَفِي أصل الْآيَة قَول آخر: وَهُوَ أَن قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله﴾ هُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النَّصْر: ﴿إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح﴾ فَذَلِك الْفَتْح هُوَ هَذَا الْفَتْح. وَقَوله: ﴿وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْفرهُ﴾ فَذَلِك الْأَمر بالتسبيح وَالِاسْتِغْفَار مدرج هَاهُنَا، فَكَأَن الله تَعَالَى قَالَ: ( ﴿إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا﴾ فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْفرهُ) ﴿ليغفر لَك الله﴾ ذكره أَبُو الْحُسَيْن ابْن فَارس فِي تَفْسِيره، وَجعل هَذَا الْأَمر جَوَابا لسؤال من يسال عَن الْآيَة أَنه. كَيفَ يَجْعَل قَوْله: ﴿ليغفر﴾ جَوَابا لقَوْله: ﴿إِنَّا فتحنا﴾ ؟ وَكِلَاهُمَا من الله تَعَالَى؟ فَأَجَابَهُ بِهَذَا الْوَجْه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أنزل السكينَة﴾ قد بَينا أَن السكينَة فَعَلَيهِ من السّكُون، وحقيقتها هُوَ السّكُون إِلَى وعد الله والثقة. وَيُقَال: السكينَة هُوَ مَا ألهم الله تَعَالَى الْمُؤمنِينَ من الصَّبْر والتوكل عَلَيْهِ فِي لأمور كلهَا.
وَقَوله: ﴿فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ ليزدادوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانهم﴾ أَي: تَصْدِيقًا مَعَ تصديقهم، وَقيل: يَقِينا مَعَ يقينهم. وَعَن ابْن عَبَّاس: أَن الله تَعَالَى أَمر الْمُؤمنِينَ بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَلَمَّا قبلوا ذَلِك زادهم الصَّلَوَات الْخمس، فَلَمَّا قبلوا ذَلِك زادهم الزَّكَاة، ثمَّ زادهم الْحَج، ثمَّ زادهم الْجِهَاد، فَلَمَّا أكمل شرائعه أنزل قَوْله: ﴿الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ﴾.


الصفحة التالية
Icon