﴿توسوس بِهِ نَفسه وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد (١٦) إِذْ يتلَقَّى الملتقيان عَن الْيَمين وَعَن الشمَال قعيد (١٧) مَا يلفظ من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد (١٨) وَجَاءَت سكرة﴾
وَقَوله: ﴿بل هم فِي لبس من خلق جَدِيد﴾ أَي: فِي شكّ من الْخلق الثَّانِي.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان﴾ يُقَال: إِن المُرَاد بِهِ آدم صلوَات الله عَلَيْهِ وَحده. وَيُقَال: إِنَّه فِي كل النَّاس.
وَقَوله: ﴿ونعلن مَا توسوس بِهِ نَفسه﴾ الوسوسة: حَدِيث النَّفس، وَإِن كَانَ المُرَاد بِالْآيَةِ هُوَ آدم فالوسوسة فِي حَقه حَدِيث نَفسه بِأَكْل الشَّجَرَة. وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء، وَصلى رَكْعَتَيْنِ وَلم يحدث فيهمَا نَفسه؛ غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه ".
وَقَوله: ﴿وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد﴾ حَبل الوريد: عرق فِي بَاطِن الْعُنُق، وَيُقَال: فِي الْبدن عرق يُسمى الأكحل نهر الْبدن، وَفِي السَّاق يُقَال لَهُ: النِّسَاء، وَفِي الْبَطن يُسمى الحالب، وَفِي الظّهْر يُسمى الْأَنْهُر، وَفِي الْيَد يُسمى الأكحل، وَفِي الْعُنُق يُسمى الوريد، وَفِي الْقلب يُسمى الوتين، وَيُقَال هما وريدان تَحت الودجين. قَالَ الشَّاعِر:
(كَانَ كَأَن وريديه رشاء حَبل...
أَي: لِيف. وَمَعْنَاهُ: أَن الله تَعَالَى أقرب إِلَيْهِ من كل شَيْء حَتَّى إِنَّه أقرب إِلَيْهِ من مماته وحياته، وحياة الْإِنْسَان بِهَذَا الْعرق، حَتَّى إِذا انْقَطع لم يبْق حَيا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذْ يتلَقَّى الملتقيان﴾ مَعْنَاهُ: اذكر يَا مُحَمَّد إِذْ يتلَقَّى المتلقيان، وهما الْملكَانِ. والتقى: هُوَ الْقبُول وَالْأَخْذ، فالملك يَأْخُذ مله ونطقه فيثبته، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: ﴿فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات﴾ أَي: أَخذ.
وَقَوله: ﴿عَن الْيَمين وَعَن الشمَال قعيد﴾ أَي: قَاعد، فَاكْتفى بِذكر أَحدهمَا عَن الآخر، مَعْنَاهُ: عَن الْيَمين قَاعد وَعَن الشمَال قَاعد. وَفِي بعض الْأَخْبَار: الصماخان مقْعد الْملكَيْنِ، وهما جانبا الْفَم.


الصفحة التالية
Icon