﴿الْمَوْت بِالْحَقِّ ذَلِك مَا كنت مِنْهُ تحيد (١٩) وَنفخ فِي الصُّور ذَلِك يَوْم الْوَعيد (٢٠) ﴾
وَقَوله: ﴿مَا يلفظ من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد﴾ أَي: رَقِيب حَاضر.
قَالَ الْحسن: يكْتب الْملكَانِ كل شَيْء حَتَّى قَوْله لجاريته اسقيني المَاء، وناوليني نَعْلي، أَو أعطيني رِدَائي، وَيُقَال: يكْتب كل شَيْء حَتَّى صفيره بِشرب المَاء.
وَفِي الْخَبَر بِرِوَايَة أبي أُمَامَة أَن النَّبِي قَالَ: " ملك الْيَمين أَمِير على ملك الشمَال، فَإِذا عمل العَبْد حَسَنَة كتبهَا ملك الْيَمين فِي الْحَال عشرا، وَإِذا عمل العَبْد سَيِّئَة فَأَرَادَ صَاحب الشمَال ان يكْتب، قَالَ لَهُ صَاحب الْيَمين: أمسك سبع سَاعَات، فَإِن تَابَ لم يكْتب، وَإِن لم يتب قَالَ: اُكْتُبْهَا وَاحِدَة ".
وَاعْلَم أَن ملك الْيَمين يكْتب الْحَسَنَات، وَملك لشمال يكْتب السَّيِّئَات، وَالْيَمِين مَحْبُوب الله ومختاره، وَمِنْه مَا رُوِيَ عَن النَّبِي " أَنه كَانَ يحب التَّيَامُن فِي كل شَيْء، حَتَّى فِي ترجله وتنعله وَطهُوره ". وَمن هَذَا إِذا دخل الْمَسْجِد يبْدَأ بِالْيَمِينِ ليقدمها إِلَى مَوضِع الْخَيْر، وَإِذا خرج يبْدَأ بالشمال ليَكُون مكث الْيَمين فِي مَوضِع الْخَيْر أَكثر وَإِن قل، وعَلى عكس هَذَا دُخُول مَوضِع الْخَلَاء وَالْخُرُوج مِنْهُ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بِالْحَقِّ﴾ السكرة هِيَ (الغشية) والغمرة الَّتِي تلْحق الْإِنْسَان عِنْد الْقرب من الْمَوْت.
وَقَوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن الْحق هُوَ نفس السكرة الَّتِي هِيَ سكرة الْمَوْت، وَيُقَال: الْحق هُوَ الله، وَفِي الْمَوْت لِقَاء الله، فَهُوَ معنى قَوْله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ أَي: بلقاء الْحق. وَيُقَال: هُوَ إِشَارَة إِلَى الْجنَّة وَالنَّار؛ لِأَنَّهُ إِذا مَاتَ إِمَّا أَن يدْخل الْجنَّة، وَإِمَّا أَن