﴿بظلام للعبيد (٢٩) يَوْم نقُول لِجَهَنَّم هَل امْتَلَأت وَتقول هَل من مزِيد (٣٠) وأزلفت﴾
وَقَوله: ﴿وَقد قدمت إِلَيْكُم بالوعيد﴾ أَي: بعثت الرُّسُل وأنزلت الْكتب وبينت الْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد. فَإِن قيل: قد قَالَ فِي مَوضِع آخر: ﴿ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون﴾ [و] قَالَ هَاهُنَا ﴿لَا تختصموا لدي﴾ فَكيف وَجه التَّوْفِيق؟ وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن للقيامة مَوَاطِن ومواقف، فَهَذَا فِي موطن. وَذَلِكَ فِي موطن مَا على بَينا.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون﴾ للْمُؤْمِنين، وَقَوله: ﴿لَا تختصموا لَدَى﴾ للْكفَّار. وَيُقَال إِنَّه يَقُول لَهُم لَا تختصموا لَدَى بعد أَن اخْتَصَمُوا، واختصامهم مَا ذكر فِي سُورَة الْقَصَص وَالصَّافَّات.
قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا يُبدل القَوْل لدي﴾ أَي: لَا يكذب عِنْدِي؛ فَإِنَّهُ لَا يخفى على حَقِيقَة الْأُمُور وبواطنها. وَيُقَال: " مَا يُبدل القَوْل لدي " أَي: لَا يُبدل قولي: إِن السَّيئَة بِمِثْلِهَا، والحسنة بِعشر أَمْثَالهَا.
وَقَوله: ﴿وَمَا أَنا بظلام للعبيد﴾ أَي: لَا أنقص ثَوَاب الْمُحْسِنِينَ، وَلَا أَزِيد فِي مجازاة المسيئين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَوْم نقُول لِجَهَنَّم هَل امْتَلَأت وَتقول هَل من مزِيد﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن معنى قَوْله: ﴿هَل من مزِيد﴾ أَي: قد امْتَلَأت، فَلَا مزِيد فِي، وَحَقِيقَته أَنَّك قد وفيت بِمَا وعدت، وملأتني فَلَا مَوضِع للزِّيَادَة. وَهَذَا مثل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " وَهل ترك لنا عقيل من دَار " أَي: مَا ترك.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن معنى قَوْله: ﴿هَل من مزِيد﴾ أَي: طلب الزِّيَادَة بقوله تغيظا على الْكفَّار، وطلبا لزِيَادَة الانتقام. وَالْأول أحسن. وَقد ثَبت بِرِوَايَة أنس وَأبي هُرَيْرَة أَن