﴿الْجنَّة لِلْمُتقين غير بعيد (٣١) هَذَا مَا توعدون لكل أواب حفيظ (٣٢) من خشِي﴾ النَّبِي قَالَ: " لَا تزَال جَهَنَّم تَقول هَل من مزِيد حَتَّى يضع الْجَبَّار فِيهَا قدمه فَتَقول قطّ قطّ " أَي: حسبي.
وَهَذَا الْخَبَر يُؤَيّد القَوْل الثَّانِي، وَالْخَبَر من الْمُتَشَابه، وَقد بَينا وَجه الْكَلَام فِي الْمُتَشَابه. وَقَالَ بَعضهم: أَن القَوْل من جَهَنَّم هَاهُنَا على طَرِيق الْمجَاز مثل قَول الشَّاعِر:

(امْتَلَأَ الْحَوْض وَقَالَ قطني مهلا ورويدا قد مَلَأت بَطْني)
فَقَوله: قطني أَي: حسبي. وَوجه الْمجَاز فِيهِ أَنه لما امْتَلَأَ الْحَوْض وَلم يكن فِيهِ مزِيد وَكَأَنَّهُ قَالَ: قد امْتَلَأت فحسبي. كَذَلِك فِي جَهَنَّم، وَهُوَ على توسع الْكَلَام. وَالأَصَح أَن هَذَا النُّطْق من جَهَنَّم على طَرِيق الْحَقِيقَة، وَهَذَا اللَّائِق بِمذهب أهل السّنة فِي الْإِيمَان بتسبيح الجمادات، وَمَا نزل فِي ذَلِك من آي الْقُرْآن. وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: لَو لم يعْص الله إِلَّا رجل وَاحِد لملأ الله مِنْهُ جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وأزلفت الْجنَّة لِلْمُتقين﴾ أَي: قربت.
وَفِي الْآثَار: أَن النَّاس إِذا بعثوا من قُبُورهم رَأَوْا الْجنَّة وَالنَّار على قرب مِنْهُم. وَقيل إِن الْجنَّة وَالنَّار يعرضان على الْمُؤمنِينَ وَالْكفَّار قبل دُخُولهمْ فيهمَا.
وَقَوله: ﴿هَذَا مَا توعدون لكل أواب حفيظ﴾ الأواب هُوَ الَّذِي اعْتَادَ الرُّجُوع إِلَى الله تَعَالَى فِي كل أُمُوره. والحفيظ هُوَ الَّذِي يحفظ الْأَمر وَالنَّهْي. وَعَن بَعضهم: أَن الأواب هُوَ المسبح.
وَعَن بَعضهم: أَنه الْكثير الصَّلَاة.
وَعَن بَعضهم: أَنه الدُّعَاء.


الصفحة التالية
Icon