﴿أتواصوا بِهِ بل هم قوم طاغون (٥٣) فتول عَنْهُم فَمَا أَنْت بملوم (٥٤) وَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ (٥٥) وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون (٥٦) مَا أُرِيد مِنْهُم من رزق وَمَا أُرِيد أَن يطْعمُون (٥٧) ﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿أتواصوا بِهِ﴾ أَي: أوصى بَعضهم بَعْضًا بِهَذَا القَوْل، وَيُقَال: أوصى الأول الْأَخير بالتكذيب.
قَوْله: ﴿بل هم قوم طاغون﴾ أَي: عاصون يبالغون فِي الْعِصْيَان.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فتول عَنْهُم فَمَا أَنْت بملوم﴾ فِي بعض الْآثَار عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه لما نزلت هَذِه الْآيَة حزن أَصْحَاب رَسُول الله حزنا شَدِيدا، وظنوا أَنه لَا ينزل الْوَحْي بعد ذَلِك حَيْثُ أَمر النَّبِي بِالْإِعْرَاضِ والتولي، وَعذر بقوله: ﴿فَمَا أَنْت بملوم﴾
فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿وَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ﴾ فَفَرِحُوا، وَقيل: إِن هَذِه الْآيَة قبل نزُول آيَة السَّيْف، ثمَّ نسخت بِآيَة السَّيْف.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون﴾ فِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب " وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس من الْمُؤمنِينَ إِلَّا ليعبدون " وَهُوَ تَفْسِير الْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة.
قَالَ الضَّحَّاك: الْآيَة عَامَّة أُرِيد بهَا الْخَاص، وهم الْمُؤْمِنُونَ، وَهَذَا القَوْل اخْتِيَار الْفراء والقتيبي وَغَيرهمَا.
وَالْقَوْل الثَّانِي: وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون أَي: لآمرهم بِالْعبَادَة. وَقَالَ مُجَاهِد: لآمرهم وأنهاهم، وَحكى بَعضهم هَذَا عَن عَليّ.
وَالْقَوْل الثَّالِث: وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون أَي: لينقادوا ويخضعوا لي، وانقيادهم وخضوعهم هُوَ استمرارهم على مَشِيئَته وَحكمه، وَهُوَ معنى خضوع السَّمَوَات وَالْأَرضين وطواعيتها وانقيادها، وَالْمُخْتَار هُوَ القَوْل الأول.
قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا أُرِيد مِنْهُم من رزق﴾ أَي: أَن يرزقوا عبَادي، وَيُقَال: أَن يرزقوا أنفسهم.
﴿وَمَا أُرِيد أَن يطْعمُون﴾ هُوَ على الْمَعْنيين الْأَوَّلين، أَي: يطعموا عبَادي، أَو يطعموا أنفسهم، فَإِذا قلت فِي الأول هُوَ رزق أنفسهم فَمَعْنَى هَذَا إطْعَام الْعباد، وَإِذا


الصفحة التالية
Icon