﴿مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى (٢) وَمَا ينْطق عَن الْهوى (٣) إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى (٤) علمه شَدِيد القوى (٥) النُّجُوم، وَهُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا النُّجُوم انكدرت﴾ أَي: انتثرت. وَعَن بَعضهم: ﴿إِذا هوى﴾ مَعْنَاهُ: انقضاضها فِي أثر الشَّيَاطِين، وَهُوَ الرَّمْي بِالشُّهُبِ على مَا ورد بِهِ الْقُرْآن فِي مَوَاضِع كَثِيرَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى﴾ الْآيَة الأولى وَردت على وَجه الْقسم وَمَعْنَاهُ وَرب النَّجْم.
وَقَوله ﴿مَا ضل صَاحبكُم﴾ على هَذَا وَقع الْقسم، وَكَانَت قُرَيْش يَقُولُونَ: إِن مُحَمَّدًا ضال غاو، فأقسم الله تَعَالَى أَنه مَا ضل وَمَا غوى، أَي: مَا أَخطَأ [طَرِيقا] ﴿وَمَا غوى﴾ أَي: مَا خرج عَن الرشد فِي أَمر دينه ودنياه، والغي: ضد الرشد. وَيُقَال: مَا غوى أَي: مَا خَابَ سَعْيه فِيمَا يَطْلُبهُ. كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى وجود مَا هُوَ فِي طلبه.
قَالَ الشَّاعِر:

(وَمن يلق خيرا يحمد النَّاس أمره وَمن يغو لَا يعْدم على الغي لائما)
أَي: من خَابَ سَعْيه، وَلم يجد مَا يَطْلُبهُ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا ينْطق عَن الْهوى﴾ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: بالهوى. وَقَالَ غَيره: مَا ينْطق عَن هَوَاهُ أَي: مَا ينْطق بِغَيْر الْحق؛ لِأَن من اتبع الْهوى فِي قَوْله قَالَ بِغَيْر الْحق.
وَقَوله: ﴿إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى﴾ الْوَحْي فِي اللُّغَة: إِلْقَاء الشَّيْء إِلَى النَّفس خُفْيَة، وَهُوَ فِي عرف أهل الْإِسْلَام عبارَة عَمَّا ينزله الله تَعَالَى على الْأَنْبِيَاء، وَمن الْأَنْبِيَاء التَّبْلِيغ إِلَى الْخلق.
قَوْله تَعَالَى: ﴿علمه شَدِيد القوى﴾ أَكثر أهل التَّفْسِير على أَن المُرَاد بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُوَ الَّذِي علم الرَّسُول مَا أنزلهُ الله تَعَالَى عَلَيْهِ.


الصفحة التالية
Icon