﴿فِيهَا فَاكِهَة وَالنَّخْل ذَات الأكمام (١١) وَالْحب ذُو العصف وَالريحَان (١٢) فَبِأَي﴾ كل مَا دب ودرج.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فِيهَا فَاكِهَة﴾ الْفَاكِهَة كل مَا يتفكه بِهِ.
وَقَوله: ﴿ذَات الأكمام﴾ جمع الْكمّ، والكم: كل مَا يُغطي شَيْئا، وَمِنْه الْكمّ الْمَعْرُوف، فَلِأَنَّهَا تغطي الْيَد. والقلنسوة تسمى الكمة؛ لِأَنَّهَا تغطي الرَّأْس. ومعتى الْكمّ هَاهُنَا: هُوَ الغلاف الَّذِي يكون لثمرة النّخل، وَيُقَال: الْكمّ هُوَ الطّلع.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالْحب ذُو العصف وَالريحَان﴾ العصف: ورق الزَّرْع، فَإِذا يبس صَار تبنا، وَيُقَال: العصف هُوَ البقل الَّذِي ينْبت من الأَرْض.
وَقَوله: ﴿وَالريحَان﴾ أَي: الثَّمَرَة. قَالَ ابْن كيسَان: إِذا نبت الزَّرْع فأوله يكون عصفا، ثمَّ يظْهر فِيهِ الريحان، وَهُوَ ثَمَرَته. وَقيل: إِن الريحان هُوَ الرزق، قَالَ الشَّاعِر:

(سَلام الْإِلَه وريحانه وَرَحمته وسماء دُرَر)
قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: هُوَ الريحان الَّذِي يشم. وَأولى الْأَقَاوِيل أَن العصف هُوَ التِّبْن، وَالريحَان هُوَ الْحبّ الَّذِي خلق فِيهِ للْأَكْل، سَمَّاهُ ريحانا؛ لِأَن مِنْهُ رزق الْعباد. وَفِي الْمَصَاحِف: " وَالْحب والعصف " وَمَعْنَاهُ: وَخلق الْحبّ ذَا العصف.
وَقَوله: ﴿فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ مَعْنَاهُ: بِأَيّ نعم رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ أَيهَا الْإِنْس وَالْجِنّ؟ وَالْمرَاد من الآلاء النعم الَّتِي عدهَا من قبل. وَقد ثَبت بِرِوَايَة مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر أَن النَّبِي قَرَأَ سُورَة الرَّحْمَن على أَصْحَابه، فَلم يجيبوا بِشَيْء، فَقَالَ: " مَا لي أَرَاكُم سكُوتًا! للجن كَانُوا أحسن مِنْكُم ردا، مَا قَرَأت عَلَيْهِم هَذِه الْآيَة من مرّة ﴿فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ إِلَّا قَالُوا: وَلَا بِشَيْء من نعمك رَبنَا نكذب، فلك الْحَمد ". ﴿آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣) خلق الْإِنْسَان من صلصال كالفخار (١٤) وَخلق الجان من مارج من نَار (١٥) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٦) ﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿خلق الْإِنْسَان من صلصال كالفخار﴾ الصلصال: الطين الْيَابِس الَّذِي يصوت إِذا نقر وحرك.
وَقَوله: ﴿كالفخار﴾ أَي: الخزف. فَإِن قيل: قد قَالَ فِي مَوضِع آخر: ﴿من طين لازب﴾، وَقَالَ فِي مَوضِع: ﴿من حمأ مسنون﴾، وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿من صلصال﴾ فَكيف وَجه التَّوْفِيق؟
الْجَواب عَنهُ: أَن الْجَمِيع صَحِيح على الْقطع، فَالله تَعَالَى خلق آدم من تُرَاب جعله طينا لازبا، ثمَّ جعله حمأ مسنونا، ثمَّ جعله صلصالا كالفخار، ثمَّ صوره. قَالَ قَتَادَة: هُوَ المَاء يُصِيب الأَرْض، ثمَّ يذهب المَاء فيجف مَوضِع المَاء وييبس وينشق، فَهُوَ الصلصال كالفخار. وَذكر أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس فِي تَفْسِيره: أَنه ورد فِي بعض الحَدِيث أَن الله تَعَالَى حِين أَرَادَ أَن يخلق آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جعل التُّرَاب طينا لازبا، وَتَركه أَرْبَعِينَ سنة، ثمَّ جعله صلصالا كالفخار، وَتَركه أَرْبَعِينَ سنة، ثمَّ صوره وَتَركه جسدا لَا روح فِيهِ أَرْبَعِينَ سنة، وَكَانَت الْمَلَائِكَة يَمرونَ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ الَّذِي خلقك لامر مَا خلقك. وَقد ثَبت عَن النَّبِي " أَن إِبْلِيس عَلَيْهِ اللَّعْنَة لما رأى الصُّورَة فَوَجَدَهُ أجوف، فَعلم أَنه خلق لَا يَتَمَالَك ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَخلق الجان من مارج من نَار﴾ أَي: من لَهب النَّار. وَيُقَال: خَالص النَّار. وَإِن الجان هُوَ أَبُو الْجِنّ.
وَقَوله: ﴿فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ قد بَينا مَعْنَاهُ. وَقَالَ الْحسن: الجان هُوَ


الصفحة التالية
Icon