﴿ملاقيكم ثمَّ تردون إِلَى عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة فينبئكم بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ (٨) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع ذَلِكُم﴾
وَقَوله: ﴿ثمَّ تردون إِلَى عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة﴾ أَي: عَالم بِمَا ظهر وخفي.
وَقَوله: ﴿فينبئكم بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ أَي: بِمَا عملتم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة﴾ أَي: لصَلَاة الْجُمُعَة من يَوْم الْجُمُعَة، وَسمي الْيَوْم جُمُعَة؛ لِأَنَّهُ جمع فِي هَذَا الْيَوْم خلق آدم. وَقد روى بَعضهم هَذَا مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله﴾ قَرَأَ عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن الزبير: " فامضوا إِلَى ذكر الله ". قَالَ ابْن مَسْعُود: لَو قَرَأت: " فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله " لسعيت حَتَّى يسْقط رِدَائي. وَالْمَعْرُوف: " فَاسْعَوْا " وَقد رُوِيَ عَن بعض التَّابِعين أَنهم كَانُوا يعدون. قَالَ ثَابت الْبنانِيّ: كنت عِنْد أنس بن مَالك: فَنُوديَ لصَلَاة الْجُمُعَة فَقَالَ: قُم نسع. وَالصَّحِيح أَن السَّعْي هَاهُنَا بِمَعْنى الْعَمَل وَالْفِعْل، قَالَه مُجَاهِد وَغَيره، وَحكي ذَلِك عَن الشَّافِعِي، وَاسْتشْهدَ بقوله تَعَالَى: ﴿وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى﴾ أَي: إِلَّا مَا عمل، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن سعيكم لشتى﴾ وأمثال هَذَا. وَقد قَالَ الشَّاعِر:

(أسعى على جلّ بني مَالك كل امْرِئ فِي شَأْنه ساعي)
فالسعي هَاهُنَا بِمَعْنى الْعَمَل وَالتَّصَرُّف. وَعَن الْحسن وَقَتَادَة: أَن المُرَاد من قَوْله: ﴿فَاسْعَوْا﴾ هُوَ النِّيَّة بِالْقَلْبِ والإرادة لَهَا. وَقَالَ عبد الله بن الصَّامِت: كنت أَمْشِي مَعَ أبي ذَر إِلَى الْجُمُعَة فسمعنا النداء للصَّلَاة، فَرفعت فِي مشي، فجذبني جذبة، وَقَالَ:


الصفحة التالية
Icon