﴿لَك إِلَّا مَا قد قيل للرسل من قبلك إِن رَبك لذُو مغْفرَة وَذُو عِقَاب أَلِيم (٤٣) وَلَو جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعجميا لقالوا لَوْلَا فصلت آيَاته أأعجمي وعربي﴾ تَعَالَى معزيا ومسليا لَهُ: ﴿مَا يُقَال لَك إِلَّا ماقد قيل للرسل من قبلك﴾ أَي: لست بِأول من قيل لَهُ هَذَا، فقد نسب الْأَنْبِيَاء من قبلك إِلَى هَذِه الْأَشْيَاء. وَقد تمّ الْكَلَام على هَذَا ثمَّ قَالَ: ﴿وَإِن رَبك لذُو مغْفرَة﴾ أَي: لذنوب الْعباد، لمن أَرَادَ أَن يغْفر لَهُ.
وَقَوله: ﴿وَذُو عِقَاب أَلِيم﴾ أَي: لمن أَرَادَ أَن لَا يغْفر لَهُ.
وَفِي قَوْله: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه﴾ قَول آخر: وَهُوَ أَن مَعْنَاهُ: لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل قبل تَمام نُزُوله فَهُوَ من بَين يَدَيْهِ.
وَقَوله: ﴿من بَين يَدَيْهِ﴾ أَي: قبل النُّزُول، فَإِن الرُّسُل بشرت بِالْقُرْآنِ، فَلَا يَأْتِيهِ مَا يدحضه ويبطله ﴿وَلَا من خَلفه﴾ أَي: بعد النُّزُول، وَمَعْنَاهُ: أَنه لَا يَأْتِيهِ كتاب ينسخه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَو جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعجميا﴾ أَي: بِلِسَان الْعَجم. وَيُقَال: أعجميا أَي: غير مُبين، قَالَه الْمفضل، وَالْأول هُوَ الْمَشْهُور.
وَقَوله: ﴿لقالوا لَوْلَا فصلت آيَاته﴾ أَي: بيّنت آيَاته ﴿أأعجمي وعربي﴾ مَعْنَاهُ: أقرآن أعجمي، وَرَسُول عَرَبِيّ؟.
وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس وَالْحسن: " لَوْلَا فصلت آيَاته عجمي وعربي " لَا على وَجه الِاسْتِفْهَام أَي: هلا جعل بعض آيَاته عجميا، وَبَعض آيَاته عَرَبيا، وَالْمُخْتَار هِيَ الْقِرَاءَة الأولى على الْمَعْنى الأول. والأعجمي كل من فِي لِسَانه عجمة، وَإِن كَانَ عَرَبيا، وَمِنْه زِيَادَة الأعجمي الشَّاعِر. والعجمي هُوَ الْوَاحِد من الْعَجم، والأعرابي كل من يسكن البدو، والعربي الْوَاحِد من الْعَرَب، قَالَ الشَّاعِر:

(وَلم أر مثلي هاجه صَوت مثلهَا وَلَا عَرَبيا هاجه صَوت أعجما.)
وَيُقَال: إِن الْآيَة نزلت فِي يسَار بن فكيهة غُلَام ابْن الْحَضْرَمِيّ، وَكَانَ يدْخل على رَسُول الله، وَكَانَ يَهُودِيّا قد قَرَأَ الْكتب، فَقَالُوا: علم مُحَمَّدًا يسَار أَبُو فكيهة،


الصفحة التالية
Icon