﴿وَجعلُوا لملائكة الَّذين هم عباد الرَّحْمَن إِنَاثًا أشهدوا خلقهمْ ستكتب شَهَادَتهم ويسألون (١٩) وَقَالُوا لَو شَاءَ الرَّحْمَن مَا عبدناهم مَا لَهُم بذلك من علم إِن هم إِلَّا﴾ وَلَيْسَ الْجعل هَاهُنَا بِمَعْنى الْخلق، إِنَّمَا هُوَ بِمَعْنى الْوَصْف وَالتَّسْمِيَة كَمَا يَقُول الْقَائِل: جعل فلَان زيدا أعلم النَّاس أَي: وَصفه بِهِ، وَحكم لَهُ بذلك، وَقُرِئَ: " عِنْد الرَّحْمَن " وَهُوَ عبارَة عَن الْقرب والرفعة.
وَقَوله: ﴿أشهدوا خلقهمْ﴾ مَعْنَاهُ: أحضروا خلقهمْ فعرفوا أَنهم خلقُوا إِنَاثًا، وَقُرِئَ: (اشْهَدُوا خلقهمْ) مَعْنَاهُ: احضروا.
وَقَوله: ﴿ستكتب شَهَادَتهم﴾ وَقُرِئَ (سنكتب) بالنُّون يعْنى: [أَنهم] يجازون بِشَهَادَتِهِم الكاذبة. وَقيل سنكتب ليجاوز.
وَقَوله: ﴿ويسألون﴾ أَي: يسْأَلُون عَن شَهَادَتهم يَوْم الْقِيَامَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا لَو شَاءَ الرَّحْمَن مَا عبدناهم﴾ تعلق بِهَذِهِ الْآيَة الْقَدَرِيَّة، وَقَالُوا: حكى الله تَعَالَى عَن الْكفَّار أَنهم قَالُوا: لَو شَاءَ الرَّحْمَن مَا عبدناهم، ثمَّ عقبه بالإنكار والتهديد فَقَالَ: ﴿مَا لَهُم بذلك من علم إِن هم إِلَّا يخرصون﴾ أَي: يكذبُون، وعندكم أَن الْأَمر على مَا قَالُوا. وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن معنى قَوْله: ﴿مَا لَهُم بذلك من علم﴾ أى: مَالهم بقَوْلهمْ إِن الْمَلَائِكَة بَنَات الله من علم إِن هم إِلَّا يخرصون يعْنى: فِي هَذَا القَوْل وَقد تمّ الْكَلَام على هَذَا عِنْد قَوْله: ﴿لَو شَاءَ الرَّحْمَن مَا عبدناهم﴾ وَالْإِنْكَار غير رَاجع إِلَيْهِ، وَيجوز أَن يحْكى من الْكفَّار مَا هُوَ حق مثل قَوْله: ﴿وَإِذا قيل لَهُم أَنْفقُوا مِمَّا رزقكم الله قَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا أنطعم من لَو يَشَاء الله أطْعمهُ﴾ وَهَذَا القَوْل حق وَصدق، فَإِن قيل: أول الْآيَة وَآخِرهَا خرج مخرج الْإِنْكَار عَلَيْهِم فَكيف يحْكى عَنْهُم مَا هُوَ حق؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنهم قَالُوا هَذَا لَا على اعْتِقَاد الْحق وَلَكِن لدفع الْقبُول عَن أنفسهم، وَقد كَانُوا أمروا


الصفحة التالية
Icon