﴿فذرني وَمن يكذب بِهَذَا الحَدِيث سنستدرجهم من حَيْثُ لَا يعلمُونَ (٤٤) وأملي لَهُم إِن كيدي متين (٤٥) ﴾.
وَظَاهر الْآيَة أَن مَعْنَاهَا السُّجُود فِي الصَّلَاة.
وَعَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ أَنه قَالَ: هُوَ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة.
وَقَالَ سعيد بن جُبَير: يدعونَ إِلَى السُّجُود بحي على الْفَلاح وهم سَالِمُونَ فَلَا يجيبون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فذرني وَمن يكذب بِهَذَا الحَدِيث﴾ أَي: خَلِّنِي وإياه وَكله إِلَيّ لأجازيه بِعَمَلِهِ.
وَقيل ذَرْنِي أَي: لَا تشغل قَلْبك بِهِ، وَدعنِي وإياه فَإِنِّي مجازيه ومكافئه، وَهُوَ بِمَعْنى الأول.
وَالْعرب تَقول مثل هَذَا القَوْل، وَإِن لم يكن هُنَاكَ أحد يمنعهُ مِنْهُ، قَالَ الشَّاعِر:

(ذَرِينِي والثعلب أم سعد تُقِلني الأَرْض (أَو بَيْتك) أمالا)
وَقَوله: ﴿سنستدرجهم من حَيْثُ لَا يعلمُونَ﴾ الاستدراج فِي كَلَام الْعَرَب هُوَ الْأَخْذ قَلِيلا قَلِيلا، وَمِنْه درج الصَّبِي إِذا مَشى قَلِيلا قَلِيلا.
وروى عبد الرَّحْمَن بن دَاوُد الْخُرَيْبِي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ أَنه قَالَ: الاستدراج هُوَ إسباغ النعم، وَمنع الشُّكْر.
وَقيل: هُوَ أَنه كلما جدد ذَنبا جدد الله لَهُ نعْمَة.
وَعَن عقبَة بن مُسلم قَالَ: إِذا كَانَ العَبْد على مَعْصِيّة الله ثمَّ أعطَاهُ الله مَا يحب، فَليعلم أَنه فِي اسْتِدْرَاج.
وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: كم من مستدرج يحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ، ومغرور يستر الله عَلَيْهِ.
(وَقيل) : سنستدرجهم أَي: نمكر بهم من حَيْثُ لَا يعلمُونَ.
وَقَوله: ﴿وأملي لَهُم﴾ أَي: أمهلهم وَلَا أباغتهم جَهرا، بل آخذهم وأمكر بهم قَلِيلا قَلِيلا.
وَقد بَينا معنى الْإِمْهَال والإملاء من قبل.
وَقَوله: ﴿إِن كيدي متين﴾ أَي: شَدِيد.


الصفحة التالية
Icon