﴿وَإِنِّي كلما دعوتهم لتغفر لَهُم جعلُوا أَصَابِعهم فِي آذانهم واستغشوا ثِيَابهمْ وأصروا واستكبروا استكبارا (٧) ثمَّ إِنِّي دعوتهم جهارا (٨) ثمَّ إِنِّي أعلنت﴾
وَقَوله: ﴿وَإِنِّي كلما دعوتهم لتغفر لَهُم﴾ أَي: ليؤمنوا فتغفر لَهُم، فكنى بالمغفرة عَن الْإِيمَان؛ لِأَن الْإِيمَان سَبَب الْمَغْفِرَة.
وَقَوله: ﴿جعلُوا أَصَابِعهم فِي آذانهم﴾ يَعْنِي: فعلوا ذَلِك لِئَلَّا يسمعوا.
وَقَوله: ﴿واستغشوا ثِيَابهمْ﴾ أَي: تغطوا بثيابهم لِئَلَّا يرَوا نوحًا، وَلَا يسمعوا كَلَامه، وَذكر النّحاس قولا آخر وَقَالَ: إِن معنى قَوْله: ﴿واستغشوا ثِيَابهمْ﴾ أَي: أظهرُوا الْعَدَاوَة.
وَيُقَال: لبس فلَان ثِيَاب الْعَدَاوَة على معنى إِظْهَار الْعَدَاوَة.
وَقَوله: ﴿وأصروا﴾ قَالَ (أَبُو عبيد) :[أَي] : أَقَامُوا عَلَيْهِ.
والإصرار أَن يفعل الْفِعْل ثمَّ لَا ينْدَم.
وَفِي بعض الغرائب من الْآثَار؛ " لَا صَغِيرَة مَعَ الْإِصْرَار، وَلَا كَبِيرَة مَعَ الاسْتِغْفَار ".
وَقَوله: ﴿واستكبروا استكبارا﴾ أَي: تكبروا تكبرا.
وَقد بَينا أَن الشّرك وَترك الْإِقْرَار بِالتَّوْحِيدِ استكبار.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ إِنِّي دعوتهم جهارا ثمَّ إِنِّي أعلنت لَهُم وأسررت لَهُم إسرارا﴾ فَإِن قيل: أَلَيْسَ قد دخل هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى: (رب إِنِّي دَعَوْت قومِي لَيْلًا وَنَهَارًا) ؟ قُلْنَا: كَلَام بِحَيْثُ يجوز أَن يكون قَالَ هَذَا على وَجه التَّأْكِيد، والإعلان والجهر بِمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ كَلَام بِحَيْثُ يسمع الْجَمَاعَة، وَأَن الْإِسْرَار هُوَ أَن يَقُوله مَعَ الْإِنْسَان وَحده فِي خلْوَة.
وَالْجَوَاب الثَّانِي: أَن معنى قَوْله: ﴿إِنِّي دَعَوْت قومِي لَيْلًا وَنَهَارًا﴾ إِلَى التَّوْحِيد، وَأما قَوْله: ﴿ثمَّ إِنِّي دعوتهم جهارا ثمَّ إِنِّي أعلنت لَهُم وأسررت لَهُم إسرارا﴾ هُوَ دعاؤه إيَّاهُم إِلَى الاسْتِغْفَار لما يتلوه من بعد، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {فَقلت اسْتَغْفرُوا


الصفحة التالية
Icon