الجهر لغةً: من الجهرة أي ما ظهر، وجهر الكلام أي أعلن به(١)، وهذا الجهر المنهي عنه لا بد من تحرير ضابطه، إذ أن النهي المطلق عن مخاطبة النبي ﷺ غير متصور شرعاً ولا عقلاً، فطبيعة الرسالة تستلزم قدراً أدنى من التخاطب والتحاور والكلام، ولهذا جاء النهي في الآية مقيداً –فقال تعالى :" ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض "(٢)وفُسر الجهر برفع الصوت كما فُسر بالخطاب المعتاد بين الناس من التنادي بأسمائهم المجردة، قال الإمام القرطبي: أي لا تخاطبوه : يا محمد ويا أحمد، ولكن : يا نبي الله ويا رسول الله توقيراً له(٣)، وقال الحافظ ابن كثير : ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه، بل يُخاطب بسكينة ووقار وتعظيم(٤). قلت: فمدار كلام المفسرين على توقير واحترام رسول الله ﷺ وعدم التخاطب معه كما يخاطب أحدنا الآخر، وذلك كما قال تعالى :" لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً"(٥)، ويدخل في هذا النهي كل ما كان مخلاً بالوقار والتعظيم، فلا ينادى باسمه المجرد ولا يرفع الصوت ولا يتقدم بالكلام دون إذن، بل لو قال أحدهم إن رفع الصوت في مجالس العلم وبحضرة العلماء فيه نوع إخلال بهذا الأدب باعتبار أن العلماء هم ورثة الأنبياء لما بعد عن الصواب والله أعلم.
رابعاً: النهي عن إزعاجه صلى الله عليه وسلم:

(١) القاموس المحيط - الفيروزآبادي
(٢) سورة الحجرات – آية ٢
(٣) الجامع لأحكام القرآن – القرطبي – ٢٦٠/١٦
(٤) تفسير القرآن العظيم – ابن كثير – ٤٩١/٧
(٥) سورة النور – آية ٦٣


الصفحة التالية
Icon