قد لا تجدي مساعي الإصلاح السلمية في رفع الخصومات ووقف الاقتتال، بل قد تتميز فئة من المسلمين وتنحاز بقوة قتالية تواجه بها فئةً أخرى من المسلمين أو ربما المجتمع الإسلامي بأسره فيتربص خطر الفتنة بأمن وسلامة المجتمع كله وتجد القادة الإسلامية نفسها أمام خيار وحيد هو القوة في مواجهة القوة؛ قوة الحق الضاربة على الباطل ولو كان هذا الباطل متمثلاً في إخوةٍ لنا في الدين. قال تعالى: " فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا"(١)، ولقد أكدت السنة النبوية المطهرة على تقرير هذا الضابط الشرعي بل وأنه يحصل حقيقةً وبين خيار الناس؛ فعن أبي بكرة قال: "سمعت النبي ﷺ على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول: ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين"(٢)، وقد كان كما قال صلى الله عليه وسلم.
والحقيقة أن هنا استطراداً لا بد منه لما يصيب كثيراً من المسلمين من التباس حول مسألة قتال البغاة مع رسوخ حرمة قتل المسلم في أذهانهم متوهمين تعارضاً بين النصوص وتضارباً وتناقضاً في الشريعة، ولسوف أوجز في بيان جملة من ضوابط هذا القتال ليتميز عن غيره من القتل والقتال غير المشروع؛ فأما عن دواعي هذا القتال فقد ذكر الإمام الماوردي في قوله تعالى:" فإن بغت إحداهما عن الأخرى"(٣)وجهان؛ أحدهما : بغت بالتعدي في القتال، والثاني : بغت بالعدول عن الصلح. وقوله تعالى :"فقاتلوا التي تبغي"(٤)يعني بالسيف ردعاً عن البغي وزجراً عن المخالفة.(٥)
(٢) صحيح البخاري – كتاب المناقب -
(٣) سورة الحجرات – آية ٩
(٤) سورة الحجرات – آية ٩
(٥) الأحكام السلطانية – الماوردي - ٩٧