فقد أجملت هذه الآيات ست قبائح خلقية اجتماعية لا يتصور قيام مجتمع راقٍ خلوقٍ يرضى باستقرار لوثةٍ من لوثاتها فيه، وهذه القبائح الست هي : السخرية واللمز والتنابز بالألقاب واتهام المؤمنين بالظنون الضعيفة والتجسس على المؤمنين والغيبة للمؤمنين المتقين. وقبل استعراض هذه القبائح منفردةً أشير إلى لطيفةٍ تتمثل في الألوان التعبيرية التي جاء النهي بها عن كلٍ من هذه القبائح، يقول عبد الرحمن حبنكة الميداني في كتابه قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله:" ويلاحظ في هذا النص أن كل نهيٍ فيه قد انفرد بلون تعبيري ذي دلالة خاصة قابلة لأن تكون شاملة للمنهيات الأخرى ؛ ففي السخرية :" لا يسخر قوم من قوم" وفي اللمز "ولا تلمزوا أنفسكم"، وفي التنابز "ولا تنابزوا بالألقاب"، وفي الظن المنهي عنه " اجتنبوا"، وفي التجسس " ولا تجسسوا"، وفي الغيبة " ولا يغتب بعضكم بعضاً" ويلاحظ أنه يصح في كلٍ منها استعمال التعبيرات الأخرى لتؤدي فيه دلالتها فيقال مثلاً في السخرية ) لا تسخروا من أنفسكم – لا تتساخروا – اجتنبوا السخرية – لا تسخروا – لا يسخر بعضكم من بعض)... ومع ذلك فقد اختير لكل قبيحة من هذه القبائح الست صيغة التعبير التي تدل على أبرز صورة من صورها"(١)، وهذا في الحقيقة من روائع الإعجاز البياني القرآني من حيث استيعاب كل المعاني بأوجز أسلوب مؤثر، ولسوف أستعرض تلك المناسبة بين الصيغة والقبيحة عند بيان كل منها إن شاء الله.
أولاً: النهي عن السخرية: