إن من الإثم أن يتهم المسلم أخاه المسلم ويخوِّنه، وما ذلك إلا إثمٌ محض حري بالمسلم أن يجتنبه ويترفع عنه، ولما كانت كثرة الظنون مفضيةً إليه جاءت السورة بالتوجيه الرباني لتأمر المؤمنين باجتناب الظن احتياطاً لاحتمال التهمة في غير محلها، وما ذلك التحفظ والاحتياط إلا لعظم حرمة المسلم وشدة قبح هذه الرذيلة؛فقال تعالى:" يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم"(١)فناسب أن يأتي أسلوب التعبير بالاجتناب الكلي لأن من جرى مع ظنونه واسترسل معها أوصلته إلى ما لا يحمد عقباه مما يأثم به حتماً، ولقد جاءت السنة النبوية المطهرة لتؤكد هذا النهي حيث قال صلى الله عليه وسلم:" إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"(٢)، فكان هذا أبلغ ما يكون في تطهير المجتمع المسلم من هذه القبيحة.
خامساً: النهي عن التجسس:
قال الحافظ ابن كثير: والتجسس غالباً يطلق على الشر، ومنه الجاسوس، وأما التحسس فيكون غالباً في الخير، وقد يستعمل كل منهما في الشر.(٣)، والشاهد أن النهي قد جاء في الآية باللفظ الذي يغلب استعماله في الشر فقال تعالى:" ولا تجسسوا". وهنا نكتة لطيفة وهي أن المرء لا يقوم بالتجسس على غيره عادةً إلا عندما يتهمه ويسيء الظن به، فناسب والحال كذلك أن يكون الترتيب في النهي في هذه الآية عن سوء الظن أولاً ثم عن التجسس، وما هذا التناسب إلا دليل من الأدلة الكثيرة على موافقة التوجيهات الشرعية للطبائع البشرية، قال تعالى:" ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"(٤)
سادساً: النهي عن الغيبة:
(٢) صحيح البخاري – كتاب الأدب - ٥٦٠٦
(٣) تفسير القرآن العظيم – ابن كثير – ٥٠٤/٧
(٤) سورة الملك – آية ١٤