ذكر الحافظ ابن كثير الإجماع على تحريم الغيبة، ولقد بين الشارع الحكيم ضابط الغيبة حيث جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسو ل الله، ما الغيبة؟ قال:" ذكرك أخاك بما يكره". قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال :" إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه"(١)، ولقد جاءت السورة بصورة شديدة التنفير من هذه الرذيلة والقبيحة الاجتماعية؛ فشبهت غيبة الرجل أخاه بأكل لحمه ميتاً حيث قال تعالى:" أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه"(٢)، وهذا التشبيه التمثيلي من أروع الأساليب القرآنية وأشدها تأثيراً في نفس المكلف، ولهذا التشبيه أوجهٌ عدة بين المشبه والمشبه به؛ أولها أن الذي يُغتاب لا يعلم أن أخاه يغتابه تماماً كما أن الميت لا يعلم من يأكل لحمه، وثانيها أن الذي يَغتاب أخاه الحي قد هتك حرمة أخيه تماماً كما أن آكل لحم أخيه ميتاً قد هتك حرمته، وثالثها أن الغيبة أمر مستقذرٌ في الطبائع السليمة تماماً كما أن أكل لحم الميت أمر مستقذرٌ طبعاً، وكل هذه المعاني دائرة حول تنفير المكلف من هذه الخصلة المرذولة وتبشيعها في نفسه كما هي بشعة في نفس الأمر.
وبهذا تكتمل جملة القبائح الاجتماعية التي نهت عنها السورة، وإن المتدبر ليدرك أن المجتمع الذي يستطيع تخليص نفسه وأفراده من هذه الرذائل مجتمعٌ قمنٌ بارتقاء أسمى مراتب الرقي الاجتماعي والإنساني بل والتعبدي عندما يؤطر كفَّه عن هذه المنهيات في إطار الانقياد لأمر الله عز وجل.
المبحث الثالث : منهج السورة في تقرير آداب وضوابط المجتمع الإسلامي:
(٢) سورة الحجرات – آية ١٢