هدى للمتقين : الهدى حقيقته و الهدى طبيعته والهدى كيانه و الهدى ماهيته ولكن لمن ؟ لمن يكون ذلك الكتاب هدى ونورا و دليلا ناصحا مبينا ؟ للمتقين. فالتقوى في القلب هي التي تؤهله للأنتفاع بهذا الكتاب. هي التي تفتح مغاليق القلب له ليدخل ويؤدي دوره هناك. هي التي تهيئ لهذا القلب أن يلتقط وأن يتلقى و أن يستجيب. لابد لمن يريد ان يجد الهدى في القرأن ان يجئ اليه بقلب سليم، بقلب خالص ثم ان يجئ اليه بقلب يخشى و يتوقى و يحذر أن يكون على ضلالة أو تستهويه ضلالة و عندئذ يتفتح القرآن عن أسراره و انواره ويسكبها في هذا القلب الذي جاء اليه متقيا خائفا حساسا مهيا للتلقي. ورد ان عمر ابن الخطاب( رضي الله عنه) سأل أبي أبن كعب عن التقوى فقال له : اما سلكت طريقا ذا شوك ؟ فقال بلى. قال فما عملت؟ قال شمرت و اجتهدت. قال فذلك التقوى. لذلك التقوى حساسية في الضمير و شفافية في الشعور و خشية مستمرة وحذر دائم وتوق لأشواك الطريق، طريق الحياة الذي تتجاذبه اشواك الرغائب والشهوات واشواك المطامع و المطامح و اشواك المخاوف و الهواجس و اشواك الرجاء الكاذب فيمن لايملك اجابة رجاء و الخوف الكاذب ممن لايملك نفعا و لاضرا، و عشرات غيرها من الأشواك. ثم ياخذ السياق بيان صفة المتقين و هي صفة السابقين من المؤمنين في المدينة المنورة كما انها صفة الخلص من مؤمني هذه الأمة في كل حين: ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴿٣﴾ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴿٤﴾ البقرة)).


الصفحة التالية
Icon