على ذلك أن الإمام أحمد رأى أنه لا يجوز للإنسان أن يرجع في هبته، واستدل عليه بقول النبي - ﷺ - " العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه " فقال الإمام الشافعي الكلب لا يحرم عليه العود في قيئه فكذلك العائد في هبته، فقال له الإمام أحمد في بقية الحديث: " ليس لنا مثل السوء " فدل ذلك على أننا لا نماثل مثل هذه المخلوقات في هذا الفعل، فكذلك لا نفعل الفعل المشبه به، فهنا التفت الإمام إلى دلالة السياق " ليس لنا مثل السوء ".
قال المؤلف: هنا (نفي المجاز) تقدم معنى أن المجاز هو استعمال اللفظ في غير ما وُضِعَ له أولا، ونفيه - يعني نفي القول بإثبات المجاز- فلا يوجد في لغة العرب مجاز، وقد يراد به نفي وجود المجاز في القرآن، قال المؤلف (صرح) المراد بكلمة صرح يعني تكلموا بذلك بلا احتمال، فالصريح من الألفاظ هو الذي لا يوجد معه احتمال يدل على خلاف ذلك التصريح، (صرح بنفيه) يعني ينفي وجود المجاز في لغة العرب (المحققون) وتقدم أن ممن صرح بذلك أبو علي الفارسي وأبو إسحاق الإسفراييني، وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
وقوله (المحققون) يريد به المؤلف مَن حقق المسائل، ورجَّح بين الأقوال باستيعاب أدلة هذه المسائل والنظر في المناقشات والأجوبة الواردة عليها، فعرف الراجح من خلال ذلك، قال :(ولم يُحفظ) يعني لم يُنقل (عن أحد من الأئمة) يعني في العصور الفاضلة مثل الأئمة الأربعة ومن وافقهم في زمانهم كالثوري وإسحاق أو من تقدمهم كالزهري والسفيانين وغيرهم من الأئمة (القول به) يعني إثبات وجود المجاز في لغة العرب أو في القرآن، فلم يُعهد عن أحد من هؤلاء الأئمة أنه قسم اللغة إلى حقيقة ومجاز وهذا كما هو منفي عن أئمة علماء الشرع كذلك هو منفي عن أئمة علماء اللغة، فلا نجد مثل ذلك في كلام الأصمعي ولا كلام الخليل بن أحمد ولا كلام سيبويه.