قال: وابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، وقد دعا له النبي - ﷺ - بأن يعلمه الله التأويل، وهو ابن عم النبي - ﷺ - وقد بذل من نفسه في صغره، فكان يهين نفسه في طلب العلم، وكان يذهب للواحد من علماء الصحابة في وقت القائلة، فينام عند بابه ينتظر خروجه ليسأله شيئا من مسائل الشرع.
وقد كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يعتمد على ابن عباس في مسائل العلم، وورد أن بعض كبار الصحابة كان يتعلم من ابن عباس، وكان عبد الرحمن بن عوف يتعلم من ابن عباس. ونظرا لما لدى ابن عباس من العلم مع صغره، أدخله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في مجلسه للحديث في مسائل العلم مع علماء الصحابة.
وأنتم تعرفون ما ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في قوله تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) ﴾ (١) فإن الصحابة سألهم عمر عن تفسير السورة، فأجابوا بإجابات معتمدة على ظاهر هذه السورة، ثم سأل ابن عباس، فقال: هذا أجَلُ رسول الله - ﷺ - نعي إليه، فقال عمر: والله لا أعلم من هذه الآية إلا كما قلت.
وورد عنه الرجوع إلى ابن عباس في عدد من المسائل وفي تفسير القرآن، وكذلك بعد عمر كان الناس يرجعون إلى ابن عباس في تفسير القرآن.
ومن هنا نعلم أن قول بعضهم: إن السن له اعتبار، فيه وجهان: أحدهما صحيح، والآخر خاطئ. فإن بعض الناس وإن لم يبلغ من السن شأوا كبيرا، لكنه بذل من نفسه في تعلم العلم وبذل للأسباب في تحصيله فحصّله، فهذا يرجع إليه؛ لوجود مناط الحكم عنده وهو معرفة علوم الشريعة، وحينئذ ما ورد عن سلف الأمة في عدم اتباع الأصاغر يراد به الأصاغر في العلم، ليس الأصاغر في السن.
تفسير القرآن بأقوال التابعين
قال المؤلف: "وإذا لم تجده". هذه هي الطريقة الرابعة حسب تقسيم المؤلف، والطريقة الخامسة حسب تقسيمنا؛ لأن المؤلف قال:
أولا: الكتاب.

(١) - سورة النصر آية : ١.


الصفحة التالية
Icon