قال الشيخ -يعني شيخ الإسلام ابن تيمية-: وقد يقع في عباراتهم -يعني في تفسيرهم للقرآن- تباين في الألفاظ، فيقع في تفسير هذه الطبقات من الصحابة والتابعين اختلاف، وهذا الاختلاف ليس اختلافا حقيقيا، وإنما هو اختلاف وتباين في اللفظ دون المعنى، من أمثلة ذلك تفسير الشيء بأمثلته، فيأتي فيفسر أحدهم الحنطة بأنها القمح، ويفسر الآخر الحنطة بأنها الحَب الذي يأتي منه الدقيق، وهكذا.. فهذا الاختلاف اختلاف في الترادف، الأسماء المترادفة لهذا اللفظ المفسر، ومن أمثلته أن يفسر أحدهم السيف باسم من أسمائه كالهندية، أو يفسر الأسد يفسر أحدهم الأسد بأنه الليث، ويفسره الآخر بأنه الهزبر، فكلاهما تفسير صحيح، ولا تضاد بين اللفظين.
فهذا النوع الأول: من أنواع الاختلاف بين الصحابة في التفسير: الاختلاف بإيراد ألفاظ مترادفة، الاختلاف بسبب ترادف الألفاظ.
...............................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــ
والنوع الثاني: الاختلاف بسبب الاختلاف في التمثيل، فأحدهم يأتي بمثال والآخر يأتي بمثال آخر، كان يقول أحدهم: الدقيق هو الذي يصنع منه الخبز، ويقول الآخر: الدقيق هو الذي يطحن من القمح. فهنا اختلاف في التمثيل وليس اختلافا في التفسير، فكل منهم فسر القمح بلازمه، فإنه يلزم الدقيق أن يصنع منه بعض المأكولات، وهذا الدقيق ناتج عن القمح.
والنوع الثالث: اختلاف بين الصحابة في تفسير القرآن بسبب ذكر بعض الأجزاء والأفراد، ومثال ذلك تفسيرهم لقوله -تعالى-: ﴿ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) ﴾ (١) فإن بعض الصحابة قال: إن الصراط المستقيم هو الإسلام، وبعضهم قال: هو فعل الطاعات، وبعضهم قال: هو العلم، وبعضهم قال: هو القرآن. فكل منهم قال بجزء من تفسير هذا اللفظ، ولا تناقص بينهم.

(١) - سورة الفاتحة آية : ٦.


الصفحة التالية
Icon