ومثله أيضا: صفة الكلام، فلما قيل لهم قوله -تعالى-: ﴿ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ﴾ (١) في بعض أصناف الكفار والمنافقين، دل ذلك على أنه يكلم أهل الإيمان، ففسروا هذا اللفظ بخلاف ظاهره، لما جاء قوله -تعالى-: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ ﴾ (٢) قالوا: لا، هذا المراد به: وجاء أمر ربك؛ لأنه قد تقرر في أذهانهم نفي الصفات الاختيارية عن الله - عز وجل -.
قال: "وتارة يتأولون"، يعني أن أهل البدع مرة يحرفون آيات الله، ويتعسفون في جهرها تدل على مذهبهم وهي لا تدل عليه، ومرة يجدون نصوص الكتاب والسنة تخالف مذهبهم، فحينئذ يتأولون ما في القرآن والسنة ويصرفونه عن ظاهره، فقوله هنا: "يتأولون ما يخالف مذهبهم"، ما معناه؟ أيش معنى كلمة "يتأولون"؟
لا.. خطأ، يفسرون خطأ، يصرفون اللفظ عن ظاهره، فتأولوا الأولى تحتمل المعنيين، ولا تحتمل المعنى الثالث الذي هو حقيقة الشيء، وتأول الثانية هنا لا يمكن أن يراد بها إلا صرف اللفظ عن ظاهره.
ومثل المؤلف لهؤلاء الذين فسروا القرآن بالخطأ في الدليل والمدلول، قال: كالخوارج، والخوارج هم الذين يرون الخروج على الأئمة، ويرون التكفير بالكبائر والذنوب، والرافضة وهم الذين يرفضون الشيخين، والجهمية هم الذين ينفون الصفات، ويقولون بكون العبد مجبورا على أعماله، والمعتزلة وهم الذين لهم الأصول الخمسة وتقدمت معناها، والقدرية وهم الذين ينفون القدر، ويقولون: العبد يخلق فعل نفسه. والمرجئة وهم الذين يخرجون الأعمال من مسمى الإيمان، وغيرهم من الطوائف الفاسدة الضالة.
وهم يتفاوتون في هذا الأمر: فمنهم من يكون تحريف القرآن وتأويله عندهم كثيرا، ومنهم من يكون ذلك عنده قليلا، فمثلا الباطنية عندهم من التحريف للقرآن أعظم من الطوائف الأخرى؛ لأنهم حتى الصلاة والصيام والحج والجنة والنار يتأولونها ويخرجونها عن دلالاتها.

(١) - سورة البقرة آية : ١٧٤.
(٢) - سورة الفجر آية : ٢٢.


الصفحة التالية
Icon