فإن ذلك -يعني هذا القسم الأخير الذي فسروا القرآن فيه بمعان باطلة- يدخل في الخطأ في الدليل والمدلول جميعا. أخطئوا في الدليل لأنهم فسروا القرآن بغير المراد به، وأخطئوا في المدلول بإيراد معنى مخالف لمعنى القرآن، حيث يكون المعنى الذي قصدوه فاسدا.
قال المؤلف: وبالجملة من عمل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك، كان مخطئا في ذلك، بل مبتدعا -لماذا؟-؛ لأنه قد خالف طرق تفسير القرآن، وأتى في الشريعة بطريق جديد لم يكن واردا فيها.
وأنتم تعلمون أن البدعة هي عبادة الله بطريقة جديدة مخترعة لم ترد في الكتاب والسنة ولا في الشريعة. فالذين فسروا القرآن بطرق غير شرعية لم يفسروه بالقرآن والسنة والإجماع وأقوال الصحابة ولغة العرب، هم جاءوا بطريقة جديدة في الدين، فيكون فعلهم في تفسير القرآن بدعة.
قال: وإن كان بعضهم مجتهدا مغفورا له خطؤه؛ لأنه لم يعلم الأدلة التي توجب عليه أن يقول بتفسير القرآن بمقتضى الطرق السابقة.
فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته وطرق الصواب، وهذه المسألة -المسألة السابقة- وهي حكم المخطئ في الأصول، وهل يأثم بها أو لا يأثم؟
الجماهير يقولون: إن المخطئ في النصوص آثم؛ لما ورد من النصوص من ذم البدعة والمبتدعين، وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن حزم وجماعة يرون أنه غير آثم، وينسبونه إلى السلف، وإذا تأمل الإنسان في هذين القولين لم يجدهما تواردا على محل واحد، فالجمهور يقولون هو آثم يعني إذا وصل إليه الدليل القطعي فخالفه، والشيخ يقول: هو غير آثم؛ وذلك لأنه لم يصل إليه الدليل القطعي.
فهم متفقون على أن من وصله الدليل القطعي فخالفه فهو آثم ومستحق للعقوبة، وهم متفقون أيضا على أن من لم يصل إليه الدليل القطعي، فإنه مخطئ قطعا لكنه غير آثم؛ لقوله -تعالى-: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥) ﴾ (١).
.................................................................................................................

(١) - سورة الإسراء آية : ١٥.


الصفحة التالية
Icon