ومنها أن يكون الخبر صحيحا لا معارض له، كما يقول بذلك جماعة من المحدثين والأصوليين، قالوا: إذا كان حديثا نبويا بإسناد صحيح لا معارض له فإنه يفيد الجزم واليقين، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة:
منها: أن الله - عز وجل - قد تكفل بحفظ دينه، ولا يحفظ هذا الدين إلا بألا يقع خطأ فيه ثم يخفى على جميع الأمة، فلو كان في خبر الواحد خطأ أو سهو لأطلع الله الأمة عليه أو أطلع بعضا منها.
ومنها: -من الأدلة على أن الخبر الصحيح يفيد العلم إذا لم يوجد له معارض-: أن أخبار النبي - ﷺ - وكلامه عليه من البهاء والنور ما يمكن تمييزه عن كلام غيره.
ومنها: النظر في أخبار الرواة والناقلين؛ فإن الأمة قد بذلت من أنفسها في حفظ أحوال الرواة جرحا وتعديلا، مما يجعلنا نجزم بأنهم لم يتركوا راويا فيه جرح إلا بينوا حاله، فإذا وردنا الحديث بطريق صحيح دل لنا ذلك على أن هذا الخبر مفيد للعلم واليقين، وهذا القول قول قوي، وعليه أدلة كثيرة؛ ويدل عليه إجماع الأمة على تلقي أخبار الآحاد بالقبول، وإجماعهم على نقل هذه الأخبار، مما يدل على أنها مفيدة لليقين والجزم؛ لأن الإجماع دليل شرعي قطعي.
قال المؤلف: والمعتبر في قبول الخبر إجماع أهل الحديث؛ يقول: إن الأخبار النبوية يرجع فيها إلى أهل الاصطلاح، وهم أهل الحديث؛ لأنهم أعرف برواة الخبر، وأعرف بطرقه، وأعرف بوجود المعارض له من عدم وجود المعارض، فكل فن يرجع فيه إلى أهله، فصحة الخبر وتضعيفه يرجع فيه إلى أهل الفن، ومن ذلك الأخبار الواردة في تفسير القرآن، نرجع في الحكم عليها بالصحة أو الضعف إلى أهل الحديث؛ لأنهم هم الذين يعول عليهم في ذلك.


الصفحة التالية
Icon