والأمر الثالث: مما يدل على مكانة هذا العلم، شدة الحاجة إليه، فنحن محتاجون إليه حاجة شديدة بل نحن مضطرون إليه؛ وذلك لأن الدنيا والآخرة لا تصلح أحوالهما إلا بالعمل بهذا الكتاب، والعمل به لا يكون إلا بمعرفة معانيه.
قال المؤلف: وأشرف صناعة؛ يعني أن التفسير أشرف صناعة يتعاطاها -يعني يعملها- الإنسان، "والمعتني بغريبه"، بدأ الآن المؤلف بذكر ما يجب على المفسر أن يعرفه، والمعتني بغريبه المراد به مفسر القرآن، لا بد له من معرفة أمور، يعني يجب عليه أمور:
الأمر الأول: معرفة الحروف، وليس المراد به الحرف المجرد، وإنما المراد به ما ليس اسما ولا فعلا، فأنتم تعرفون أن الكلام ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأسماء، والأفعال، والحروف؛ فالفعل ما استقل بمعنى ودل على حدث مقترن بزمان، والاسم ما دل على ذات غير مقترن بزمان، والحرف ما لا يستقل بنفسه في المعنى، ولا بد أن يكون معه اسم أو فعل.
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــ
وهذه الحروف يقول المؤلف: أكثر من تكلم فيها النحاة، فهم قد تكلموا بهذه الحروف، كما تقدم أنه ليس المراد بالحرف هنا جزء الكلمة، مثل حرف "ألف" حرف "باء"، هذا ليس مراده، وإنما المراد الكلمة المستقلة بنفسها لكن ليس لها معنى مستقل مثل: "إلى"، "عن"، "في"، "حتى"، وإن كانت من حروف متعددة، وقد ألف النحاة مؤلفات في الحروف وفي معانيها ودلالتها، ومن أشهر من ألف فيها ابن هشام في كتابه مغني اللبيب، وقد تكلم فيها علماء أصول الفقه أيضا، وبينوا معاني هذه الحروف، وذكروا ما ينوب منها عن غيره وما لا ينوب.