فإن قالوا: لا نعهد إلا كلاما مماثلا للمخلوقين، قيل: إن النصوص الشرعية، قد دلت على أن كثيرا من الأشياء تتكلم بكلام، ليس مماثلا لكلام المخلوقين، ولا يحتاجون معه إلى أدوات الكلام التي يحتاجها بنو أدم، فذكر الله تعالى أن الجلود تتكلم، فقال سبحانه: ﴿ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ ﴾ (١) وبين أن الأيدي والأرجل تتكلم ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ ﴾ (٢) والميزان يتكلم، والحصى تكلم بين يدي النبي - ﷺ - وهم يحتجون بمثل قوله سبحانه: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ (٣) قالوا: والقرآن شيء فيكون مخلوقا، وهذا من عدم فهمهم لدلالة اللغة، فإن كل شيء، المراد بها كل شيء بحسبه، كما قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ﴾ (٤) فلم تدخل المساكن في قوله: ﴿ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ (٥) ولم تدخل السماء، ولم تدخل الأرض، ثم إن المعتزلة خالفوا هذه الآية عندما قالوا: إن أعمال العبد لا يخلقها الله، وإنما مخلوقة للعبد نفسه، فلم يستدلوا بعموم الآية.
................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(٢) - سورة يس آية : ٦٥.
(٣) - سورة الرعد آية : ١٦.
(٤) - سورة الأحقاف آية : ٢٥.
(٥) - سورة الأحقاف آية : ٢٥.