القول الثالث: قول المؤلف هنا: أو في جبريل، يعني أن الله قد خلق هذا القرآن الذي بين أيدينا في نفس جبريل، أو محمد، أو جسم آخر غيرهما، كالكلابية والأشعرية، فالكلابية والأشاعرة يقولون: كلام الله صفة ذاتية ملازمة لذات الله، لا تحدث بقدرة الله ولا مشيئته، وهي صفة قديمة، كلها حصلت في القدم في الأزل، والله -سبحانه وتعالى- لا يتكلم بعد ذلك، وإنما هي صفات ذاتية، وقالوا هذا الكلام إنما هو معان نفسية، وليس أصواتا وحروفا، فقلنا لهم: هذا القرآن الذي بين أيدينا، قالوا: هذا القرآن الذي بين أيدينا هذا مخلوق، يماثل تلك المعاني، فهو عبارة عن تلك المعاني، أو حكاية عنها.
وهذا القول خطأ، يرده قوله سبحانه: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ (١) ما قال: يسمع ما هو عبارة عن كلام الله، أو ما هو حكاية عن كلام الله، وكان من استدلالاتهم قوله سبحانه: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) ﴾ (٢) فدل على أن هذا القول للرسول، وهذا الاستدلال خطأ؛ لأنه قال هنا ﴿ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) ﴾ (٣) أضافه إلى المبلغ، ولم يضفه إلى المنشئ للكلام، بدلالة قوله رسول، والرسول فيها إشارة إلى أنه يبلغ هذا الكلام، ويدل على ذلك أنه مرة جعله من قول الرسول، بمعنى جبريل -عليه السلام-، ومرة قول رسول بمعنى محمد - ﷺ - فدل ذلك على أن هذا القول ليس منسوبا إليه، وأنه لم يخلق في نفسه، وإنما هو مبلغ له، وإلا لكان القرآن متناقضا.
(٢) - سورة الحاقة آية : ٤٠.
(٣) - سورة الحاقة آية : ٤٠.