ويدل على ذلك أن هذا القرآن يحرم مسه، ولو كان هذا القرآن مخلوقا، وهو عبارة عن كلام الله، لما حرم مسه، ولكان مماثلا لغيره من المخلوقات، ويلزم على قول الأشاعرة، أن الأخرس يكون متكلما؛ لأن الأخرس فيه معان نفسية، ومع ذلك لا يقال بأنه متكلم؛ ولذلك كفّر الله - عز وجل - من قال بأن هذا القرآن من قول محمد - ﷺ - وكلامه ﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٣٤) ﴾ (١).
...............................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الطائفة الرابعة قالت: إن كلام الله حروف، وأصوات قديمة أزلية كالكلامية، يعني كبعض أهل الكلام، فهم يقولون: كلام الله حروف وأصوات صحيح، لكنها قديمة أزلية، وهذا القول خطأ، فإن صفة الكلام قديمة النوع، حادثة الآحاد، فوصف القرآن بأنه قديم بمعنى أنه أزلي خطأ؛ لأن الله - عز وجل - يتكلم متى شاء، لم يزل متكلما، ويتكلم متى شاء، ولا يزال يتكلم، وبعض كلامه سيكون في يوم القيامة ﴿ سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) ﴾ (٢) وحينئذ فالقول بأن كلام الله صفة قديمة، وأنه لا يتكلم بعد ذلك، وأنه لا يتعلق بالمشيئة كلام خاطئ، ترده هذه النصوص، ويدل على ذلك قوله سبحانه: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ ﴾ (٣) فدل على أن هذا القول حصل بعد السماع، وأن السمع حصل بعد قولها، وقولها ليس قديما قطعا، فدل ذلك على أن بعض الكلام ليس قديما، وأن صفة الكلام وإن كانت قديمة النوع، لكن بعض آحادها حادث، فإن الله يتكلم متى شاء لا مانع منه، لا مانع له من صفة الكلام.
(٢) - سورة يس آية : ٥٨.
(٣) - سورة المجادلة آية : ١.