ومن حكمة الله -سبحانه وتعالى- في التنويع بين سور القرآن منها ما هو طويل ومنها ما هو قصير: بيان أن الطول والقصر غير مؤثر في قضية الإعجاز.
قال المؤلف: "والمشهور سبع وعشرون مدني وباقيه مكي، واستثنى آيات" قوله: "المشهور" يعني: أن القول الذي يشتهر عند علماء التفسير والعلماء في علوم القرآن أن سور القرآن سبع وعشرون، منها مدني والباقي مكي، والمراد بالمدني والمكي موطن اختلاف بين العلماء على ثلاثة أقوال:
................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القول الأول: بأن المدني هو ما نزل بالمدينة، والمكي هو ما نزل بمكة، وعلى ذلك فإن الآيات التي نزلت في الحج وفي فتح مكة آيات مكية، كقول الله -عز وجل: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ (١) ﴿ * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ (٢).
ويشكل على هذا القول أن هناك آيات عديدة نزلت لا في مكة ولا المدينة، وإنما نزلت في الطريق، نزلت في تبوك، نزلت في بعض الغزوات، فعلى هذا التقسيم تبقى هذه الآيات مترددة بين هذين الأمرين.
وقيل: بأن المكي ما كان الخطاب موجها فيه إلى أهل مكة وإلى الكفار بـ"يا أيها الناس"، والمدني ما وُجه الخطاب فيه إلى أهل الإسلام بقوله "يا أيها الذين آمنوا" وهذا أيضا فيه إشكال فنجد كثيرا مما نزل بالمدينة فيه "يا أيها الناس" فمثلا في سورة البقرة وهي قد نزلت بالمدينة "يا أيها الناس" في مواطن متعددة.
والقول الثالث: أن ما نزل قبل الهجرة فإنه مكي، وما نزل بعد الهجرة فإنه مدني، وهذا أقوى الأقوال في المسألة وهو الذي تنضبط به تقاسيم آيات القرآن بحسب كونها مكية أو مدنية.

(١) - سورة المائدة آية : ٣.
(٢) - سورة النساء آية : ٥٨.


الصفحة التالية
Icon