فلا يقولن قائل: الآيسة إذا لم نَرتَبْ فيها لا تعتد بثلاثة أشهر؛ لأن الله قال: ﴿ إِنِ ارْتَبْتُمْ ﴾ (١) و"إن" أداة شرط! هذا ليس مرادا، وإنما سبب نزول الآية أنه لما نزل قوله -تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ (٢) " جاء الصحابة إلى النبي - ﷺ - فقالوا: يا رسول الله إن من النساء الكبار " يعني: اللاتي لا يحضن والصغار والحُمل، فنزلت هذه الآية لما ارتابوا في حكم هؤلاء النساء.
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومنه قوله -تعالى: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ (٣) فإن ظاهر هذه الآية أنه يجوز التوجه بالصلاة إلى أي وجهة، وهذا ليس مرادا، وإنما سبب نزول هذه الآية فيه قولان للمفسرين:
القول الأول: أن بعض الصحابة خرجوا في برية فاشتبهت عليهم القبلة فاجتهدوا وتحروا ثم صلوا، فتبين لهم أن صلاتهم على خلاف القبلة، فنزلت هذه الآية ﴿ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ (٤) فهذه الآية نزلت في رفع الإثم والجناح عن من جهل جهة القبلة فاجتهد وتحرى فكانت صلاته إلى غير القبلة.
القول الثاني في سبب نزول هذه الآية: أنها نزلت في صلاة النافلة، إذا أداها العبد على الراحلة فإنه يجوز له حينئذ أن يتوجه حيث توجهت به راحلته.
ذكر المؤلف هنا فائدة من فوائد معرفة أسباب النزول، وهو فهم الآية ورفع الإشكال الواقع فيها، ومن ذلك أيضا من فوائد معرفة أسباب النزول معرفة الحكمة التي لاحظها الشارع في إثبات الحكم.

(١) - سورة الطلاق آية : ٤.
(٢) - سورة البقرة آية : ٢٢٨.
(٣) - سورة البقرة آية : ١١٥.
(٤) - سورة البقرة آية : ١١٥.


الصفحة التالية
Icon