فدل ذلك على أن الفاء هنا، لم يرد بها المعنى الراجح، وهو التعقيب، وأريد بها المعنى المرجوح، وهو مجرد الجمع بين الشيئين، بلا ترتيب، ولا تعقيب.
فهنا الفاء لفظ ظاهر، ترك المعنى الراجح من أجل دليل خاص، وهو فعل النبي - ﷺ - والمعنى المرجوح، قال: " وكل ظاهر ترك ظاهره"، كان الأولى أن يقول: ترك المعنى الراجح فيه.
والظاهر أيضا يطلق على المعنى الراجح، فكلمة الظاهر، يراد بها اللفظ الدال على معنيين؛ أحدهما أرجح من الآخر، وكذلك لفظ الظاهر يراد بها المعنى الراجح، والمقصود أن كلمة ظاهر، تطلق ويراد بها هذان
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المعنيان، وأطلقها المؤلف في الموضع الأول على أحد معنيين، وأطلقها في الموطن الثاني على المعنى الآخر، كتخصيص العام، والأصل أنه إذا وردنا لفظ عام، أن يحمل على عمومه، مثل قوله سبحانه: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ (١) الأصل في هذا أن يقطع كل سارق؛ بحيث لا يترك بعض السارقين.
هذا هو الأصل، لأن العام يحمل على عمومه، ويحتمل أن يراد به بعض السارقين، فترك الظاهر؛ وهو حمله على جميع السارقين، من أجل دليل خاص، وهو أن النبي - ﷺ - جعل القطع فيما كان نصابا، فإذا لم يسرق النصاب، فإنه حينئذ لا يوجد قطع، كما في حديث عائشة، وابن عمر أنه: " لا قطع إلا في ثمن المجن " قال: "وتفيد المطلق"؛ يعنى أنه إذا وردنا لفظ مطلق، فإنه يحمل على إطلاقه، والمراد باللفظ المطلق، اللفظ الدال على معنى، بدون أي قيد، فهو لفظ دال على جنس شيء، بدون إضافة أي قيد إليه.