الحديث مصروف عن ظاهره، وإنما يقولون: هذه الألفاظ مخصوصة، هذه الألفاظ مقيدة، هذا اللفظ يوضحه الدليل الآخر"، مع أنهم قد قالوا مثل ذلك"؛ يعني صرف اللفظ عن ظاهره، لم يقله الصحابة، ولا السلف في آيات الصفات، ولا في الأخبار، ولا في ما ورد في اليوم الآخر، "مع أنهم قد قالوا مثل ذلك"، قد قالوا بالتأويل الصحيح في آيات الأحكام، فصرفوا بعض الألفاظ عن ظواهرها بدليل خاص، مثل تخصيص قوله: "وأقيموا الصلاة" بعدم مطالبة الحائض مثلا بالصلاة. قال: "المصروفة عن عمومها وظواهرها"، فإن هذا قد ورد عن الصحابة والسلف، ولما كانوا مستندين فيه إلى دليل، كان تأويلهم صحيحا.
"وتكلموا"؛ يعنى أن السلف من الصحابة، والتابعين تكلموا فيما يستشكل، يعني الألفاظ المستشكلة التي ورد فيها استشكال، فسروها، ووضحوا المراد بها، وبيّنوا أن ظواهرها غير مرادة، ومن أمثلة ذلك مثلا: لما ورد حديث: " إن الميت يعذب في قبره " فسرته عائشة -رضي الله عنها- بأن المراد اليهود، أو فسره غيرها بأن المراد به، أن ينقل إلي الميت بأن أهله يبكون عليه فيتألم بذلك، وحينئذ فالنصوص التي يفهم منها أنها متناقضة متعارضة، فسرها السلف بما
يبين أنها غير متناقضة، لأن الله يقول: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ (١) ثم هنا يقول: " يعذب الميت ببكاء أهله عليه " فبينوا المراد به؛ بحيث نرفع هذا التناقض، لأننا نجزم يقينا أن النصوص الشرعية، لا يوجد فيما بينها تعارض، أو تناقض؛ بقوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢) ﴾ (٢).

(١) - سورة الأنعام آية : ١٦٤.
(٢) - سورة النساء آية : ٨٢.


الصفحة التالية
Icon