ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبعضهم يقول: الحقيقة: ليست هي اللفظ، وإنما الحقيقة: هي استعمال اللفظ فيما وضع له أولا. والمجاز: استعمال اللفظ في غير ما وضع له أولا، على وجه يصح. ويمثل لذلك بمثال: كلمة الأسد؛ في أصل اللغة، يراد بها الحيوان المفترس، المعروف، فإذا قال إنسان: رأيت أسدا يأكل شاة. فالمراد به الحيوان المفترس، وهنا استعمال للفظ الأسد فيما وضع له. وإذا قلت: رأيت أسدا يخطب. فحينئذ لا يمكن أن يراد بهذا اللفظ ما وضع له أولا، وهو الحيوان المفترس، ولكون المراد به: الرجل الشجاع، فهنا استعملنا لفظ الأسد في غير ما وضع له أولا.
ومن أمثلته: استعمال اللفظ وإرادة جزءه، ويمثلون له بقولك: جعلت إصبعي في أذني. فأنت لم تجعل جميع الإصبع، وإنما جعلت طرفه، فحينئذ استعملت لفظ الإصبع، ولم ترد به ما وضع له من الدلالة على جميع الإصبع، وإنما أردت جزءه.
ومن أمثلته: أن تقول: قابلت الغلام العليم. فحال كونه غلاما، لا يكون عليما، وإنما إذا صار كبيرا، أصبح عليما، فهنا استعملنا اللفظ في غير ما وضع له.
وفرقوا بين الحقيقة، والمجاز بعدد من الفروق؛ منها:
أن الحقيقة لا يجوز نفيها، فإذا قلت: رأيت أسدا يأكل فريسته. لا يصح أن يقال لك: هذا ليس بأسد. أما إذا قلت: رأيت أسدا على المنبر، يوم الجمعة، يخطب. قيل لك: هذا شيخ، عالم، وليس أسدا.
ومن الفروق بينهما، أن الحقيقة لا تحتاج إلى قرينة، لأنها قد استعملت فيما وضعت له، بينما المجاز يحتاج إلى قرينة توضع، لأن المراد به غير الحقيقة.


الصفحة التالية
Icon