" ذي الكمال " إلى " ذي الجمال " (١)

(١) قد يقول قائل : أليس الجمال لله أيضاً ؟ وفي الحديث :" إن الله جميل يحب الجمال "، فالجمال لله، أقول : إن هناك قدراً مشتركاً في الأسماء و الصفات بين الخالق والمخلوق، فالله سمى نفسه بـ بالعليم والعزيز والملك والكريم وغير ذلك، وسمى بعض خلقه بنفس هذه الأسماء، والله وصف نفسه بالحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، ووصف عباده بنفس هذه الصفات، ولكن هل يلزم من اتفاق الأسماء والصفات بين الخالق والمخلوق التماثل ؟، قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله - في العقيدة التدمرية :"..... ولهذا سمى الله نفسه بأسماء، وسمى صفاته بأسماء، وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه لا يشركه فيها غيره، وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم، مضافة إليهم، توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص ؛ ولم يلزم من اتفاق الاسمين، وتماثل مسماهما، واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص اتفاقهما، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص، فضلاً عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص " ا. هـ كلامه.
خذ هذا المثال - أخي الكريم - حتى يتضح لك الأمر بإذن الله - عز وجل - :
الله هو الملك - سبحانه-، وأثبت الله للإنسان الملك، فقال :( وقال الملك إني أرى سبع بقرات..) الآية، وقال تعالى :(وما ملكت أيمانكم...) الآية، فاسم " الملك " هنا مشترك ببين الخالق والمخلوق، ولكن السؤال : هل مُلْك الإنسان يدوم، أم أنه لأجل مسمى ؟ الجواب : هو لا يدوم ؛ بل لأجل مسمى، فأنت ترى الإنسان يملك قصراً ومالاً وحُكْماً ونساءً وخدماً و عقارات وأراضي.... إلخ، فإذا جاء أجل الإنسان ومات : ضاع ملكه، فأين الكرسي والمال والجاه وجميع ما يملكه؟ ذهب هذا كله بفناء صاحبه، فأصبح لا يملك شيئاً ؛ لذا نقول : الملك هنا : ملك نسبي وهبه الله للإنسان لفترة محدودة ثم يأخذه الله منه أو يخلفه لأحد غيره، أما الله- سبحانه - : فملكه تام مطلق لا يلحقه ضرر ولا زوال ولا فناء، فهو يملك كل شيء، وبيده كل شيء، لا لفترة محدودة كالمخلوق ؛ إنما ملك على الدوام ؛ لأنه هو الأول والآخر والوارث - سبحانه -، فاتضح من ذلك أن : اسم المَلِك وصفة المُلْك لله، غير اسم الملك وصفة الملك للإنسان، فرغم اشتراك اللفظين ؛ إلا أنه لا يلزم من ذلك : التمثيل أو التشبية، لذا نقول : نثبت الاسم والصفة لله دون " تكيف أو تمثيل أو تحريف أو تعطيل"، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon