المؤمنين معتمدين على قلتهم، ثم تفجؤهم الكثرة فيدهشوا ويتحيروا، وأن يكون ذلك سببا يتنبه به المشركون على نصرة الحق إذ رأوا المؤمنين مع قلتهم في أعينهم منصورين عليهم، وفى التقليل من الطرفين معارضة تعرف بالتأمل.
* * *
فإن قيل: قوله تعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)
يدل على حرمة المنازعة والجدل أيضا لأنه منازعة فكيف تجوز المناظرة وهى منازعة وجدل؟
قلنا: المراد بالمنازعة هنا المنازعة في أمر الحرب والاختلاف فيه، لا المنازعة في إظهار الحق بالحجة والبرهان، والدليل عليه أن ذلك مأمور به، قال الله تعالي: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
لكن لجواز المناظرة شروط يندر وجودها في زماننا هذا، أحدها: أن يكون كل المقصود منها ظهور الحق على لسان أي الخصمين كان، كما كانت مناطرة السلف، وعلامة ذلك أن لا يفرح بظهور الحق.
على لسانه أكثر مما يفرح بظهوره على لسان خصمه.
* * *
فإن قيل: كيف قال إبليس: (إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ) وهو لا يخاف الله تعالى، لأنه لو خافه لما خالفه ثم أضل عبيده؟
قلنا: قال قتادة صدق. عدو الله في قوله: (إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ)