فإن قيل: كيف قال تعالى: (تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ) وانبائهم بما في قلوبهم تحصيل الحاصل، لأنهم عالمون به فما فائدته؟
قلنا: معناه تنبئهم بأسرارهم وما كتموه من النفاق شائعة ذئعة، وتفضحهم بظهور ما اعتقدوا أنه لا يعرفه غيرهم، ولا يطلع عليه سواهم، وهذا ليس تحصيل الحاصل.
* * *
فإن قيل: كيف قال تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) وقال بعده: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) وكلمة (من) أدل على المشابهة والمجانسة من حيث إنها تقتضى الجزئية والبعضية، فكانت بالمؤمنين أولى وأحرى، لأنهم
أشد تشابها وتجانسا في الصفات والأخلاق؟
قلنا: المراد بقوله تعالى: (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ)
أى بعضهم على دين بعض، أي على عادتهم وخلقهم بإضمار لفظة الدين والخلق ونحوه، لأن (من) تأتى بمعنى (على)، ومنه قوله تعالى: (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا) وقوله تعالى: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ)
أى يحلفون على وطءِ نسائهم، وهذا المعنى هو المراد في قوله عليه الصلاة والسلام: "فمن رغب عن سنتى فليس منى "، وقوله عليه الصلاة والسلام: "من غشنا فليس منا"، والمراد بقوله