الثانى: أن معنى مجموع قوله تعالى: "ألا تعبدوا إلا إياه " اعبدوه وحده، فيكون تفسيرا للأمر المطلق بفرد من أفراده، وأنه جائز.
* * *
فإن قيل: الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أعظم الناس زهدا في الدنيا ورغبة في الآخرة، فكيف قال يوسف عليه الصلاة والسلام: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ) طلب أن يكون معتمدا على الخزائن ومتوليا لها، وهو من أكبر مناصب الدنيا؟
قلنا: إنما طلب ذلك ليتوصل به إلى امضاء أحكام الله تعالى واقامة الحق وبسط العدل ونحوه، مما يبعث له الأنبياء، ولعلمه أن أحدا غيره لا يقوم مقامه في ذلك، فطلب التولية ابتغاء لوجه الله تعالى وسعيا في منافع العباد ومصالحهم لا لحب الملك والدنيا، ونظيره
قوله عليه الصلاة والسلام: (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ)، يعنى لو كنت أعلم أي وقت يكون القحط لأدخرت لزمن القحط طعاما كثيرا، لا للحرص ولكن لأتمكن من إعانة الضعفاء والفقراء وقت الضرورة والضائقة، ويحتمل أن يكون علم تعيينه
لذلك العمل فكان طلبه واجبا عليه.
* * *
فإن قيل: كيف جاز ليوسف عليه الصلاة والسلام أن يأمر المؤذن أن يقول: (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) وذلك بهتان وتسريق بالصواع لمن لم يسرقه، وتكذيب للبريء واتهام له؟
قلنا: قوله: (إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) تورية عما جرى منهم مجرى السرقة وتصويرها بصورتها من فعلهم بيوسف عليه الصلاة والسلام ما فعلوه