أولا، الثانى: أن ذلك القول كان من المؤذن بغير أمر يوسف عليه الصلاة والسلام كذا قال بعض المفسرين، الثالث: أن حكم هذا الكيد حكم الحيل الشرعية، التى يتوصل بها إلى مصالح ومنافع دينية
كقوله تعالى لأيوب عليه الصلاة والسلام: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ) وقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام في حق زوجته: "هى أختى" لتسلم من يد الكافر، وما أشبه ذلك.
* * *
فإن قيل: كيف تأسف يعقوب عليه الصلاة والسلام على يوسف دون أخيه بقوله: (يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ) والرزء الأحداث أشد على النفس وأعظم أثرا؟
قلنا: إنما يكون أشد إذا تساوت المصيبتان في العظم ولم يتساويا هنا، بل فقد يوسف كان أعظم عليه وأشد من فقد أخيه، فإنما خصه بالذكر ليدل على أن الرزء فيه مع تقادم عهده ما زال غضاً طرياً.
* * *
فإن قيل: كيف قال تعالى: (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ)
والحزن لا يحدث بياض العين لا طبا ولا عرفا؟
قلنا: قال ابن عباس: (من الحزن) أي من البكاء، ولأن الحزن سبب للبكاء، فأطلق عليه اسم السبب وأراد به المسبب، وكثرة البكاء قد
يحدث بياضا في العين يغشى السواد، وهكذا حدث ليعقوب عليه الصلاة والسلام، وقيل: إذ كثرت الدموع محقت سواد العين وقلبته إلى بياض كدر.
* * *
فإن قيل: كيف قال يعقوب عليه الصلاة والسلام: (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)