أصلها بغوى، قلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت الغين اتباعاً، فهو كصبور وشكور في عدم دخول التاء، وقال ابن جنى في كتاب التمام: هى فعيل ولو كانت فعولا لقيل بغو، كما قيل هو نهو عن المنكر، ثم قيل هى فعيل بمعنى فاعل فهى كقوله تعالى: (قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) وقال الأخفش: هى مثل ملحفة جديد فجعلها
بمعنى مفعول، وقيل: إنما لم يقل بغية مراعاة لبقية رؤوس الآيات.
* * *
فإن قيل: ما كان حزن مريم وقولها: (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا) لفقد الطعام والشراب حتى تسلى بالسرى والرطب، بل كان لخوف أن يتهمها أهلها بفعل الفاحشة؟
قلنا: كان حزنها لمجموع الأمرين هو ما ذكرتم، وجدب مكانها الذي ولدت فيه، فإنه لم يكن فيه طعام ولا شراب ولا ماء يتطهر به، فكان إجراء النهر في المكان اليابس الذي لم يعهد فيه ماء، وأخراج الرطب من الشجرة اليابسة دافع لجهتى الحزن، أما دفع الجذب فظاهر، وأما دفع حزن التنمة فمن حيث إنهما معجزتان تدلان قومها
على عصمتها وبراءتهاً من السوء، وإن الله تعالى خصها بأمور إلهية خارجة عن العادة خارقة لها، فيتبين لهم أن ولادتها من غير فحل ليس ببدع من شأنها، ولا بعيد في قدرة الله تعالى المخرج في لحظة واحدة الرطب الجنى من النخلة اليابسة، (والمجرى للماء) بغتة في مكان لم يعهد فيه.
* * *
فإن قيل: كيف أمرها جبريل عليه الصلاة والسلام إذا رأت إنساناً أن