قلنا: إنما لم يبين البعض لأنه كان يتبع الأمر، ولا يفعل شيئا
من الأمور الدينية من تلقاء نفسه بل اتباعاً للوحى، فما أمر ببيانه بينه، وما لم يؤمر ببيانه أمسك عنه إلى وقت أمره ببيانه، وعلى
هذا الجواب يكون لفظ العفو مجازاً عن الترك، فيكون قد أعلمه الله تعالى به، وأطلعه عليه ولم يأمره ببيانه لهم فترك بيانه لهم.
الثانى: أن ما كان في بيانه إظهار حكم شرعى كصفته ونعته والبشارة به وآية الرجم ونحوها بينه، وما لم يكن في بيانه حكم شرعى، ولكن
فيه افتضاحهم وهتك استارهم فإنه عفا عنه.
الثالث: أن عقد الذمة اقتضى تقديرهم على ما بدلوا وغيروا من دينهم إلا ما كان في إظهار معجزة له وتصديق لنبوته من صفته ونعته، أو ما
اختلفوا فيه فيما بينهم وتحاكموا إليه فيه كحكم الزنا ونحوه.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ)
مع أن العبد ما لم يهده الله أولاً لا يتبع رضوانه فيلزم الدور؟
قلنا: فيه إضمار تقديره: يهدى به الله من علم أنه يتبع رضوانه أو ليهدى به الله من يريد أن يتبع رضوانه كما قال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)
أى والذين أرادوا سبل المجاهدة فينا لنهدينهم سبل مجاهدتنا.
* * *
فإن قيل: لم نر ولم نسمع أن قوماً من اليهود والنصارى قالوا نحن


الصفحة التالية
Icon