وأما قوله : الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد وقد قرئ بالرفع والنصب : وجه الرفع في سواء أنه خبر ابتداء مقدم والمعنى : العاكف والبادي فيه سواء أي : ليس أحدهما بأحق منه صاحبه فاستواء العاكف والبادي فيه دلالة على أن أرض الحرم لا تملك ولو ملكت لم يستويا فيه وصار العاكف فيه أولى بها من البادي بحق ملكه ولكن سبيلهما سبيل المساجد التي من سبق إليها كان أولى بالمكان لسبقه إليه وسبيله سبيل المباح الذي من سبق إليه كان أولى به.
ومن نصب فقال : سواء العاكف أعمل المصدر عمل اسم الفاعل فرفع العاكف به كما يرتفع بمستو ولو قال : مستوياً العاكف فيه والبادي فرفع العاكف بمستو فكذلك يرفعه بسواء.
والأكثر الرفع في نحو هذا وألا يجعل هذا النحو من المصدر بمنزلة الفاعل ووجهه أن إعماله المصدر قد يقوم مقام اسم الفاعل في الصفة نحو : رجل عدل فيصير : عدل العادل.
وقد كسر اسم المصدر تكسير اسم الفاعل في نحو قوله : فنواره ميل إلى الشمس زاهر فلولا أن النور عنده كاسم الفاعل لم يكسر تكسيره فكذلك قول الأعشى : وكنت لقىً تجري عليه السوائل ومن أعمل المصدر إعمال اسم الفاعل فقال : مررت برجل سواء درهمه وقال : مررت برجل سواء هو والعدم كما تقول : مستو هو والعدم فقال : سواء العاكف فيه والباد كما تقول : مستوياً العاكف والباد فهو وجه حسن.
ويجوز في نصب قوله سواء العاكف فيه وجه آخر : وهو أن تنصبه على الحال فإذا نصبته عليها وجعلت قوله للناس مستقراً جاز أن يكون حالاً يعمل فيها معنى الفعل وذو الحال الذكر الذي في المستقر.
ويجوز أيضاً في الحال أن يكون من الفعل الذي هو جعلناه فإن جعلتها حالاً من الضمير المتصل بالفعل كان ذو الحال الضمير والعامل فيها وجواز قوله للناس مستقر على أن يكون المعنى : أنه جعل للناس منسكاً وكتعبداً فنصب كما قال : وضع للناس.