ويدل على جواز كون قوله للناس مستقراً أنه قد حكى : أن بعض القراء قرأ : الذي جعلناه للناس العاكف فيه والبادي سواء فقوله للناس يكون على هذا مستقراً في موضع المشغول الثاني لجعلناه فكما كان في هذا مستقراً كذلك يكون مستقراً في الوجه الذي تقدمه ونعني : الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء.
أنهما يستويان فيه في الاختصاص بالموضع ومن ذلك قوله تعالى : قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه.
قوله : نصفه بدل من الليل كما تقول : ضربت زيداً رأسه فالمعنى نصف الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص من النصف أو زد عليه.
وقوله : إلا قليلاً يفيد ما أفاده أو انقص منه قليلاً لكنه أعيد تبعاً لذكر الزيادة خير الله تعالى بين أن يقوم النصف أو يزيد عليه أو ينقص منه وقال الأخفش : المعنى : أو نصفه أو زد عليه قليلاً لأن العرب قد تكلم بغير أو يقولون : أعط زيداً درهماً درهمين أو ثلاثة.
وقال المبرد : خطأ لا يجوز إنما نصفه بدل من الليل والاستثناء مقدم من النصف.
ومن ذلك قوله : فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا.
هذا من طرائف العربية لأن هي ضمير القصة مرفوعة بالابتداء وأبصار الذين كفروا مبتدأة وشاخصة خبر مقدم وهي خبر أيضاً والجملة تفسير هي والعامل في إذا قوله شاخصة ولولا أن إذا ظرف لم يجز تقديم ما في حيز هي عليها لأن التفسير لا يتقدم على المفسر ولكن الظرف يلغيه الوهم وقد جاء ذلك في الشعر في غير الظرف قال الفرزدق : وليست خراسان الذي كان خالد بها أسد إذ كان سيفاً أميرها والتقدير : الذي كان خالد بها سيفاً إذ كان أسداً أميرها.
ففي كان الثانية ضمير القصة وأسد مبتدأ وأميرها خبر والجملة تفسير الضمير الذي في كان وقدم الأسد على كان الذي في ه الضمير.
وقالوا : يمدح خالد بن عبد الله القسري ويهجو أسداً وكان أسد واليها بعد خالد قال : وكأنه قال : وليست خراسان بالبلدة التي كان خالد بها سيفاً إذ كان أسد أميرها.


الصفحة التالية
Icon